اختر لغتك

نهضة الزيتونة.. أو كيف نخرج الحيّ من الميّت - تصحيح منهج الدرس الديني

تصحيح منهج الدرس الديني

غالبا ما برّر التعليم الديني في تونس عجزه الحضاري وخموله المعرفي بوقوعه رهن مؤامرة فرنكفونية علمانية، اُستهلّ مشوارها مع الاستعمار وتواصلت مع أعوانه، في حين أن الأزمة بالأساس هي بنيوية معرفية. وفي ظل اختلاط السبل، قنع الحريصون على التعليم الكلاسيكي بما كتب الله لهم، ولم تنشأ في أوساطهم عملية مراجعة تصحيحية داخلية. إذ كان الأولى طرح سؤال جدوى المعارف الدينية في الاجتماع، وأية مساهمة حضارية يمكن أن تسهم بها، بعيدا عن الإجابات الخلقية أو الميتافيزيقية أو المؤامراتية الجاهزة، التي تتوارى خلف قول النبي الكريم: "من أراد الله به خيرا فقّهه في الدين". إذ غالبا ما يُبرَّر الحرص على المعرفة الدينية بجدوى أنطولوجية ضامنة لحسن المآل، وإن كان مقاصد العلوم أن تستهدف بالأساس تطوير الموجود، وتحريك الراكد، وكشف المخبوء، والإحاطة بالماحول، ولكن سدنة المعارف الدينية، على وضعهم الحالي، يبدون غير قادرين على تولي هذا الدور المنوط بعهدتهم. فالمعارف في شكلها التقليدي السائد هي عاجزة عن بلوغ حاجات المجتمع، وبالمثل وكلاؤها هم أعجز عن بلوغ ذلك المراد، لافتقارهم الأدوات الموصلة إلى ذلك؛ وأما من ناحية طرْق مسارات نهضوية مستجدة، من خلال كشف المخبوء، فإن عدّتهم المعرفية لا تسمح لهم بخوض غمار شغل هو أكبر من قدراتهم، ما جعلهم منفعلين بالماحول، وعاجزين عن الفعل.

من هذا الباب، أقدّر أنه من غير المجدي متابعة التلقين والشحن للنشء بمعارف لا تنفع، ولا تتجاوز صدقيتها عتبات المساجد أو دائرتنا الإيمانية المتواضَع عليها. ولذلك يأتي إنهاك المرء بمقولات التراث المتراكم في علوم القرآن، وعلوم الحديث، والتفسير، والمقاصد، وما شابهها من المعارف، محدودَ الأثر. وفي الحقيقة من أوكد شروط التصحيح، وهو بلوغ الوعي بالبنى الاجتماعية والتاريخية التي ولّدت علومنا الدينية التي باتت تشكل وزرا علينا. لأن أي تكرار لمنهج التعليم السالف هو تعطيل لاندماج المرء في مجتمعه، فضلا عن صدّه عن بلوغ التعارف على مستوى كوني. وربما سؤال مباشر لكل منتسب للجامعات الإسلامية، وهو ما الشيء الذي يمكن أن يضيفه للعالمين خارج نسق مجتمعه الإسلامي؟ لذلك أقدّر أن شرط استعادة الدرس الديني دوره، يبدأ من مراجعة قدرة المدرّس على الإسهام الحضاري، فإن كان المدرّس ضنينا بذلك الدور، فهو أعجز عن مدّ يد العون للطالب ومرافقته نحو مدارج العلى المعرفي.

ربما يعي كثيرون ضيق أفق الدرس الجامعي لدينا، عند التطرق لمسألة الإلمام بالآخر، في وقت ما عاد فيه مبرّر لذلك الضيق. حين كنت طالبا في الزيتونة كان أحد أساتذتنا الأجلاء، ممن كلِّف بأداء درس علم الاجتماع الديني، وهو في الحقيقة مسقَط على هذا التخصص، يقرئنا القول الإنجيلي المأثور: "لا يعيش الإنسان بالخبز وحده بل بكلمة من فم الرب"، بطريقة مغلوطة: "لا يعيش الإنسان بالحبر وحده..."، ثم يستدرك مصححا: "لا يعيش الإنسان بالخبر وحده..." فتضجّ القاعة بالهتاف والضحك.

 

آخر الأخبار

حريق ضخم يندلع في غابة شعراء بعين دراهم وصعوبة التضاريس تعرقل جهود الإطفاء

حريق ضخم يندلع في غابة شعراء بعين دراهم وصعوبة التضاريس تعرقل جهود الإطفاء

اكتشاف خاتم أثري يعود لشعب البيكتيون في أسكتلندا مدفون لأكثر من 1000 عام

اكتشاف خاتم أثري يعود لشعب البيكتيون في أسكتلندا مدفون لأكثر من 1000 عام

باحثون أمريكيون يكتشفون صبغة تجعل الجلد شفافاً: ثورة جديدة في تشخيص الأورام

باحثون أمريكيون يكتشفون صبغة تجعل الجلد شفافاً: ثورة جديدة في تشخيص الأورام

يوتيوب تطور أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لحماية المبدعين من الفيديوهات المزيفة

يوتيوب تطور أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لحماية المبدعين من الفيديوهات المزيفة

المعهد الوطني للرصد الجوي يحذر من خلايا رعدية وأمطار محلية في الجنوب الشرقي والمرتفعات الغربية

المعهد الوطني للرصد الجوي يحذر من خلايا رعدية وأمطار محلية في الجنوب الشرقي والمرتفعات الغربية

Please publish modules in offcanvas position.