اختر لغتك

صحافة المواطنة بالشمال الغربي التونسي: واقع وآفاق ما بعد الثورة

صحافة المواطنة بالشمال الغربي التونسي: واقع وآفاق ما بعد الثورة

لعلّ ما يميز الإعلام المعاصر اليوم وجود تعدد كبير في المنتوجات الإعلامية التي تخترق الحدود الجغرافية واللغوية والسياسية والثقافية وتكرس هيمنتها وسلطتها لتساهم في صناعة الرأي العام وتؤثر في المسارات وتحدد الخيارات والتوجهات مما جعل الرهان اليوم رهانا إعلاميا في أبعاده المختلفة قفزت من خلاله وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة قفزات تكنولوجية هامة مما جعلنا نعيش ثورة اتصالية وإعلامية شاملة فرض علينا تحديات عميقة ومتسارعة بسبب ما أوجدته من آليات متطورة تجعلنا اليوم مقدمين على زمن إعلامي جديد.
 
وفي ظلّ هذا التعدّد والتنوّع كان لابدّ من طرح سؤال عن حضور صحافة المواطنة بجهاتنا أي ربوع الشمال الغربي في ظلّ هذه المستجدّات المتعدّدة في عالم الاعلام ومنتجاته العصرية الجديدة والمتطوّرة بشكل يومي متسارع لتفرض رؤى جديدة لواقعنا المعيش وبلورة صور جديدة لعالم القيم الكونية والمحلية.
 
ولتناول هذا الموضوع بالدرس من الضروري التعريف بمصطلح "صحافة المواطنة" أو ما يطلق عليه أيضا مفهوم "الصحافة العامة أو التشاركية، أو الديمقراطية أو صحافة الشارع أو الصحافة الشعبية" والذي يلعب من خلاله عدد من عامة المواطنين دورا نشيطًا في عملية جمع ونقل وتحليل ونشر الأخبار والمعلومات عبر استخدامات صحافة الإنترنت ووسائلها المتنوعة وضمن شكل جديد على مستوى الاعلام وهو شكل من أشكال الممارسة الصحفية غير المهنية أو ما يطلق عليه أيضا مصطلح "الإعلام مفتوح المصادر" و"الإعلام البديل" وهو اعلام جديد نظّر له عدد من المختصين منهم كليمينسيا رودريغز  Clemencia Rodriguez صاحبة مصطلح "إعلام المواطن"الذي ظهر سنة 2001 وبومان ويليس Bowman and Willis صاحبي مصطلح "الصحافة التشاركية" الذي  ظهر سنة 2003  ودان قيلمور  Dan Gillmor صاحب مصطلح "الصحافة الشعبية" الذي ظهر سنة 2004  وهاكيت وكارول Hackett and Caroll صاحبي مصطلح "الإعلام الديمقراطي" الذي برز سنة 2006  ورغم  وجود اختلافات بسيطة بين هذه التسميات إلا أن تصوراتها تصب في نفس الاتجاه.
 
وقد ظهرت صحافة المواطنة حسب اجماع اغلب المختصين عقب أحداث تسونامي التي حدثت في ديسمبر 2004  فقد كانت المواد التي تناقلتها وسائل الإعلام الجماهيرية في شتّى أنحاء العالم هي كلها من إلتقاط وتصوير المواطنين العاديين، كما اعتمدت وسائل الإعلام على شهود العيان المباشرين الذين عاشوا وسجلوا اللحظات الكارثية التي شهدتها المنطقة وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة "الإنتدبندنت" البريطانية أن قنوات التلفزيون العالمية كانت ترسل مراسليها ومعهم المصورين التلفزيونيين ليس إلى مواقع الأحداث بل إلى المطارات التي تواجد فيها مسافرون قادمون من تلك المناطق أو ذاهبون إليها، علّهم يجدون لقطات جديدة يقومون بتصويرها ويسجلون إفاداتهم وشهاداتهم على تلك الأحداث.
 
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار ان صحافة المواطنة تسمح لأي شخص أن يكون صحفيا ينقل رأيه ومشاهداته للعالم أجمع دون الحاجة لأن يحمل شهادة في الإعلام  أو أن ينتمي لمؤسسة إعلامية لإيصال صوته للعالم وخاصة عبر شبكة الانترنت كفضاء للنشر والتعبير عن الرأي وعبر تأكيد حضور المواطن في قضايا الشأن العام ودعم الممارسة الديمقراطية وعبر اعتبار مخرجات صحافة المواطن امتدادا لمرجعيات الإعلام البديل والصحافة البديلة فكل مواطن هو بالضرورة صحفي صاعد يتحكم في زمن الأحداث ووقعها لتضحى بالتالي "صحافة المواطنة"ظاهرة غير قابلة للتجاهل إذ يتم عبر مواقع متنوعة بثّ  مساهمات مواطنين ليس لهم علاقة بمؤسسات إعلامية ولكنهم يقومون بأدوار مشابهة لأدوار المؤسسات الإعلامية فهي الصحافة التي يصنعها أو يشترك في صنعها المواطن ويقوم بتوظيف الصحيفة في تبادلها في مجال الأخبار والرأي بينه وبين باقي المواطنين عبر شبكة الإنترنت ولا شك في أن اشتراك المواطن في العملية الإعلامية هي قديمة في تاريخ الصحافة والإعلام لأن المواطن "القارئ أو المستمع أو المشاهد" هو العنصر المستهدف في تلك العملية منذ بدايات نشأة الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون.
 
ومن هذه المنطلقات والمفاهيم هل يمكن القول ببروز "صحافة المواطنة" بربوع الشمال الغربي؟ وكيف تفاعلت مع ما شهدته هذه الربوع من أحداث على امتداد  سنوات من الثورة التونسية؟وأي الثمار جنيناها انطلاقا من فاعلية صحافة المواطنة بهذه الربوع؟
 
من البديهي الاشارة أولا الى أن وسائل الإعلام التقليدية لا تهتم في اغلب الأحيان بمناطق الشمال الغربي إلا في حالات الكوارث والفضائح رغم أن دور الصحفي المواطن يكمن في تقديم تغطية بديلة لكل الأحداث التي تهم الشأن العام في منطقته  ورغم أن السنوات الاولى للثورة شهدت طفرة اعلامية تنصهر في اطار صحافة المواطنة بجهات الشمال الغربي وكانت صدى لكشف بعض المسكوت عنه والخفيّ من الظواهر الاجتماعية ذات الصلة بتهميش هذه الجهات وخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وحتى عبر موجات الـ"آف آم" من خلال برامج اذاعة الكاف باعتبارها صوتا اذاعيا اقليميا غير أن هذه الموجة بدأت تخفو شيئا فشيئا وخاصة بعد انتهاء فترة حكم الترويكا والتي عرفت اضطرابات كبيرة كان لها الأثر السلبي على جهات الشمال الغربي رغم أنه في 2014 انطلقت مجموعة من الدورات التدريبية لصحافيي جهات الشمال الغربي ضمن مشاريع برنامج الأمم المتحدة الانمائي ولكنها كانت موجّهة أساسا للتكوين في تغطية الانتخابات باعتماد مجموعة من المقاربات ذات الصلة لتشهد السنة الماضية 2018 بداية السعي الفعلي الى هيكلة صحافة المواطنة بجهاتنا من خلال تدخّل مركز تطوير الاعلام في الغرض وبالتنسيق مع سفارة هولندا ومنظمة فري براس انليميتد (FPU) انطلق في برنامج تدريبي حول صحافة المواطنة لفائدة 16 مراسلا ومدوّنا من جهاتنا وهو برنامج يتنزل كما أكّد السيد عبد الكريم الحيزاوي مدير مركز تطوير الإعلام"في محاولة لضمان تغطية موازية للأحداث التي لا تتطرق لها عموما وسائل الإعلام المهنية والتقليدية التي عادة ما يكتفي مراسلوها القلائل، على حدّ تعبيره، بتغطية الأحداث الرسمية والمرور مرور الكرام بجانب المشاغل الأساسية لأهالي المنطقة"ويقوم المشاركون في هذا البرنامج خلال الفترة القادمة بانجاز أخبار وتقارير صحفية بصفة منتظمة حول ابرز الأحداث المحلية التي تشهدها المنطقة بعد تلقيهم من قبل  طاقم مدرّبين تكوينا ومتابعة للإشراف على أعمالهم الصحفية طيلة مدة هذا البرنامج الذي توّج بتولي لجنة تقييم الأعمال المنجزة إسناد جوائز لأفضلها خلال الورشة الختامية له.
 
فبعد  سنوات من الثورة يمكن تلخيص واقع صحافة المواطنة بجهات الشمال الغربي بأنها مرّت عبر مرحلتين الأولى من 2011 إلى 2014 والثانية من 2015 الى 2018 ففي المرحلة الأولى تأثّرت صحافة المواطنة بهامش الحرية المفتوحة في مستويات حرية التعبير وتنوّع مصادر المعلومة وتوفّر آلياتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي فكانت نقدية في معظمها وغلب عليها الاندفاع والتعبير عن الأحلام المفتوحة والخيالية لآفاق تنموية كبرى الى جانب الانتقادات لسياسات الدولة التنموية آنذاك وغلب على هذه الانتقادات التوظيف الايديولوجي والسياسي الخاص للصحفي المواطن ليصطدم هؤلاء بواقع مختلف  بعد 2014 حيث تبيّن لهم أن الحال ظلّ كما هو وليس كما نظّر له منذ الأيام الأولى للثورة وأمام انشغالات المواطن بالوضع الاجتماعي والمعيشي المستجدّ والصعب تقلّص الاهتمام بمشاغل جهاتنا وبالسياسات المتّبعة وأمام تقنين حرية التعبير إثر تعرّض عدد من المدونين الى المضايقات والمحاكمة بسبب عدم التزامهم بشروط التعبير المحترف (شروط صحافة المواطنة كالتوقي من الأخبار الكاذبة وأهمية احترام أخلاقيات المهنة الصحفية لكسب ثقة الجمهور) تقلّص الاهتمام بهذا المجال الإعلامي لينحصر لدى بعض المدونين والمراسلين الجهويين الذين أخذ مركز الإعلام على عاتقه مهمة تدريبهم وحقق الى حد الان هذا المركز عددا من أهدافه في صقل مهارات 16 مراسلا ومدونا من جهات سليانة،باجة،الكاف وجندوبة وتم إذكاء روح مشاركتهم في الشأن العام والمحلي ممّا جعل الأنظار تتجه الى منتوجاتهم كمرجع في نقل حقائق جهاتنا ومشاغلها وتصوّرات آهالينا وهكذا تشهد صحافة المواطنة نقلة مهمّة من أجل نقل صورة جديدة عن جهاتنا كجهات منتجة وثريّة بمواردها البشرية والطبيعية التي تفرض رؤية وآفاق جديدة لإقليم الشمال الغربي.
 
 

آخر الأخبار

خامنئي يدعو لإصدار أحكام إعدام ضد قادة إسرائيل بعد مذكرات الاعتقال الدولية

خامنئي يدعو لإصدار أحكام إعدام ضد قادة إسرائيل بعد مذكرات الاعتقال الدولية

حجز 120 طنًا من الدقلة بمخزن عشوائي في بن عروس: تجاوزات بالجملة وإجراءات قانونية

حجز 120 طنًا من الدقلة بمخزن عشوائي في بن عروس: تجاوزات بالجملة وإجراءات قانونية

العثور على جثة شاب في قنال بنزرت: تحقيقات جارية لتحديد الأسباب

العثور على جثة شاب في قنال بنزرت: تحقيقات جارية لتحديد الأسباب

تأخيرات وإشكاليات تعيق تطوير أسطول النقل العمومي

تأخيرات وإشكاليات تعيق تطوير أسطول النقل العمومي

دوريات أمنية قارة لمراقبة أسعار البطاطا والحدّ من الاحتكار

دوريات أمنية قارة لمراقبة أسعار البطاطا والحدّ من الاحتكار

Please publish modules in offcanvas position.