اختر لغتك

الطرق الصوفية في تونس تُرسخ نفسها مؤسسة للتدين المنفتح في مواجهة الفكر المتطرف

الطرق الصوفية في تونس تُرسخ نفسها مؤسسة للتدين المنفتح في مواجهة الفكر المتطرف

دعوات متصاعدة في تونس إلى ثورة داخل الزوايا الدينية لتعزيز دورها في المجتمع.
 
نجحت الطرق الصوفية التقليدية في تونس ممثلة في الزوايا والمقامات الدينية في ترسيخ نفسها كمؤسسة للتدين المنفتح والمعتدل، لكن ذلك لا ينفي أنها باتت تواجه تحديات أخرى حيث تراجع دورها في السنوات الأخيرة ما أفرز دعوات إلى تجديد رؤية ومهام هذه الهيئات الدينية التي لعبت دورا بارزا في التصدي للفكر المتطرف الذي تسلل إلى تونس بعد ثورة الرابع عشر من جانفي 2011.
 
تونس- دق العديد من شيوخ الطرق الصوفية في تونس ناقوس الخطر بشأن تدهور وضع الزوايا بعد سنوات من التهميش الحكومي، مشيرين إلى أن ذلك وغياب محاولات للتجديد داخليا يُهدد ما راكمته الزوايا الدينية كما غيرها من إنجازات تاريخيا سواء في مواجهة الاستعمار أو التصدي للفكر المتطرف بعد ثورة الرابع عشر من جانفي 2011.
 
ويأتي ذلك بالرغم من وجود محاولات لبعث روح جديدة في هذه الطرق من خلال التأقلم مع الحداثة وما فرضته من تحديات، حيث أعلن صلاح الدين المستاوي الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في تونس عن تأسيس منتدى افتراضي للطريقة الشاذلية في محاولة لمزيد التعريف بهذه الطريقة العريقة في تونس.
 
ولعبت الطرق الصوفية دورا بارزا بعد الثورة التونسية التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي في 2011 من خلال التصدي للفكر المتطرف الذي اجتاح البلاد وجر العديد من شبابها إلى المستنقع السوري والعراقي وغيرهما.
 
وتحظى الطرق الصوفية بحاضنة شعبية واسعة في تونس ليس فقط في المدن الداخلية بل حتى العاصمة التي يُطلق عليها مصطلح “تونس المحروسة” نظرا إلى حراستها من الأربع جهات شرقا وغربا، شمالا وجنوبا بأربعة أولياء صالحين هم: الولي الصالح محرز ابن خلف الملقب بسلطان المدينة وحاميها الأول، والولي الصالح الثاني أبي الحسن الشاذلي، والثالث الولي الصالح أبي سعيد الباجي الملقب بريس الأبحار حامي تونس من واجهتها البحرية وأخيرا السيدة المنوبيّة وهي سيدة فاضلة.
 
 

دور بارز تاريخيا
 
قامت الزوايا والمقامات الدينية بدور بارز تاريخيا تجلى بوضوح في المساهمة في جهود إخراج المستعمر من تونس وكذلك التصدي للأفكار التي هددت بنسف القيم الوسطية في البلاد بعد ثورة الرابع عشر من يناير ما جعلها تمثل مؤسسة التدين المنفتح في البلاد.
 
ومكنها ذلك من ترسيخ صورة ناصعة عن نفسها بعيدا عن التجاذبات السياسية التي ما انفكت تتصدر واجهة الأحداث خاصة بعد الثورة التي أعقبتها حالة من الانفتاح سواء على مستوى الحريات أو غيرها.
 
وقال الباحث السياسي باسل الترجمان إن “تأثير الزوايا والمقامات الدينية يبقى قويا للغاية، إنها تعود للمئات من السنين وهو لا يقتصر على المدن الداخلية بل حتى في العاصمة التي توجد بها 6 أو 7 أضرحة لأولياء صالحين كبار”.
 
وتابع الترجمان “الطرق الصوفية كان لها دور تاريخي بارز، هنا الحديث مثلا عن الحفاظ على الهوية الإسلامية المتسامحة، ساهمت في التصدي للاحتلال أو الغزو، كما كان لها دور في التصدي للفكر المتطرف الذي اعتبر الصوفيين أحد ألد أعدائه وكفرهم”.
 
وبالفعل، تعرضت العديد من المقامات والزوايا الدينية بعد الثورة إلى الحرق على يد متشددين ما خلق سجالات كانت بالأمس محظورة حول دور هذه الهيئات بين من يؤمن بها ومن يعتبرها شركا بالله.
 
ولا توجد إحصاءات رسمية حول عمليات الحرق التي تعرضت لها هذه المقامات والزوايا، لكن رئيس اتحاد الصوفية المغاربي محمد عمران يقول إن “ما لا يقل عن 73 زاوية دينية تعرضت للحرق من قبل متشددين”.
 
وأضاف عمران أن “السلفيين حاولوا بعد 2011 محو كل ما يتعلق بهويتنا بالاعتداء على المقامات والزوايا، لكننا خضنا معهم مواجهة لدحر هذا الفكر المتطرف الذي يتبناه هؤلاء”.
 
وبالرغم من أن أغلب حالات الاعتداء التي تعرضت لها المقامات والزوايا الدينية حدثت إبان حكمها في سياق الترويكا (2011 – 2013)، إلا أن حركة النهضة الإسلامية التي قادت الائتلاف الحاكم آنذاك حاولت النأي بنفسها عن الجدل الذي دار بشأن المسؤول عن هذه الاعتداءات.
 
وبالنسبة إلى العديد من الحركات الإسلامية في تونس فإن المقامات الدينية تعتبر شركا بالله بالرغم من ترفّع حركة النهضة عن الدخول في مثل هذه النقاشات للعديد من الاعتبارات يبقى أبرزها متصلا بالأضرار التي قد تلحق بها شعبيا جراء ذلك، خاصة أن خصومها حاولوا دائما استثمار هذه الزوايا على غرار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
 
 

ضرورة التجديد
 
بالرغم من الدور البارز الذي اضطلعت به بعد الثورة في مواجهة الفكر المتطرف، إلا أن الزوايا والمقامات الدينية باتت في حاجة ماسة للتجديد وفقا لصوفيين تونسيين يرون أن هذه الهيئات باتت تواجه شبح الاندثار.
 
ويعتبر هؤلاء أن أزمة كوفيد – 19 وغيرها من الاستحقاقات سلطت الضوء على القصور الذي باتت تعانيه الطرق الصوفية التي اقتصرت أنشطتها على التبرك أو الاحتفالات التي تتزامن مع بعض المناسبات الدينية الهامة على غرار المولد النبوي الشريف، بينما أصبح غيابها عن مثل هذه الاستحقاقات التي تهم المواطنين ملموسا.
 
ويرى الباحث في الفكر الإسلامي بدري المداني أنه “بعد الثورة واجهت الزوايا والمقامات الدينية المد المتطرف سواء السلفي أو غيره وكانت ضحية في بعض الأحيان بعد حرق العديد من هذه الزوايا (على يد متشددين) في محاولة لتخويف أهل الطرق لأنه في جميع الحالات يرون أنهم أناس يعيشون حياة الزهد لكن هناك العديد من القائمين على هذه الزوايا تصدوا إلى هذا الفكر”.
 
وأوضح المداني أن “كورونا كان بمثابة رصاصة الرحمة للزوايا لأنها في الأساس تقوم على الاجتماع بين الناس، هناك بعض الزوايا التي تحركت ونجحت في إحياء بعض المناسبات مثل المولد النبوي الشريف، لكن في جميع الحالات تراجعت الزوايا وكما فشل الإسلام السياسي في تونس فشلت الزوايا أيضا باعتبار أنها تحولت إلى ما يشبه الأجساد المحنطة”.
 
وأضاف أن “نسبة كبيرة من مشائخ الزوايا ليست لهم أي أهلية علمية، فاقد الشيء لا يعطيه، نحن بحاجة إلى ثورة داخل هذه الزوايا لكي تضطلع بدور أكبر، مثلا في الأزمة الصحية لم نسمع بأي مساهمة تقريبا من الزوايا في المجهود الوطني بينما دفع ذلك جمعيات مشبوهة إلى التقدم بمساعدات وغيرها، هناك أيضا جمعيات لا تستحق أن تكون موجودة لكنها موجودة بنشاطها مثل اتحاد علماء المسلمين، الزوايا أمام خيارين: إما التجدد أو الاندثار”.
 
وعانت تونس من أزمة صحية حادة حصدت أرواح ما لا يقل عن 20 ألف شخص، وكانت حملة التطعيم تسير ببطئ قبل أن يدفع الرئيس قيس سعيد بإجراءات الخامس والعشرين من يوليو الاستثنائية التي شملت تجميد أعمال واختصاصات البرلمان وإقالة الحكومة برئاسة هشام المشيشي. وأجرت تونس بعد ذلك حملات تطعيم مفتوحة بغية التسريع في الحملة.
 
وعلى صعيد آخر، تتصاعد المطالبات بإغلاق فرعين لاتحاد علماء المسلمين الأول في العاصمة تونس والثاني في محافظة صفاقس جنوب البلاد، وهي فروع تقدم مضامين في الشريعة الإسلامية تُحذر منها العديد من الأطراف على غرار المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة أو الحزب الدستوري الحر.
 
وقال المداني “كان على الزوايا أن تضطلع بمثل هذه الأمور، أن تساهم في المجهود الوطني لمكافحة فايروس كورونا الذي شكل امتحانا للبشرية جمعاء، وكان عليها أن تستمر في نشر فكر إسلامي معتدل عوض التراجع أمام مثل هذه الجمعيات”.
 
 

مُحاولات للإنقاذ
 
حتم التراجع الذي تعرفه الطرق الصوفية في تونس على الفاعلين فيها القيام بمحاولات إنقاذ لهذه الهيئات الدينية، حيث أعلن الخبير في مجمع الفقه الإسلامي بجدة صلاح الدين المستاوي عن إنشاء منتدى للطريقة الشاذلية.
 
وقال المستاوي إن “المنتدى يهدف إلى التعريف بالموروث الروحي للمقام والمغارة الشاذلية بتونس التي شهدت المرحلة الوسطى من مسيرة الإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه التي رسم خارطتها المولى عبدالسلام بن مشيش فهو من أمره بأن يقصد أفريقية (تونس) وأن يسكن قرية تسمى شاذلة (المرناقية) ومنها سيحمل اسم الشاذلي ثم تكون نهاية المطاف في مصر”.
 
وأكد أن “المرحلة التونسية من حياة الإمام الشاذلي هي الأطول حيث امتدت لأكثر من عشرين سنة وفي تونس تبلورت ملامح الشاذلية بكل تجلياتها ومجالاتها ويحتل المقام والمغارة الشاذلية المركز، فقد ظلا على امتداد القرون التي تلت رحيل الإمام الشاذلي مركز إشعاع روحي مؤثر في مختلف فئات المجتمع في تونس ليس العامة ولكن النخبة من علماء الزيتونة وولاة الأمور وكذلك بقية الفئات، فقد وجد الجميع الضالة وهي السكينة والطمأنينة والتزود بخير زاد كل ذلك في تلازم بين الشريعة والحقيقة وهي التزكية الروحية”.
 
وشدد المستاوي على أن “العمل المتواصل في المغارة والمقام الشاذلي كان ولا يزال يشد اهتمام مختلف فئات المجتمع التونسي من الشيوخ والكهول والشباب والنساء يأتي الجميع في مشهد ملفت للاهتمام وفي تكاثر وازدياد وفي تنوع عجيب”.
 
وأردف أن “منتدى الشاذلية ليس هيئة وإنما واسطة تجمع جهود الشاذلية بمختلف فئاتهم للتعريف بالموروث الشاذلي في تونس وتعميم الإفادة به على أوسع نطاق بكل ما في المستطاع ومن خلال مختلف الوسائط الإلكترونية”. 
 
ويعتقد المستاوي أن “الطرق الصوفية لها دور كبير يمكنها أن تقوم به في ميدان التزكية الروحية التي تشتد الحاجة إليها من طرف الجميع وقد طورت وجددت بعض الطرق الصوفية وبعض الزوايا في وسائلها مع الحفاظ على الأصل وهو التزكية الروحية، واستطاعت أن تجتذب إلى صفوفها فئات عديدة ظلت بعيدة وشبه منسية؛ فئة الشباب والمرأة والنخبة التي توصف من طرف بعض التيارات بأنها متغربة جذبتها هذه الطرق والزوايا ببرامجها المتنوعة وندواتها وملتقياتها”.
 
واستنتج أن “هذه الطرق والزوايا نجحت في تحصين الشباب المنتمي إليها والذي يرتاد أنشطتها من الوقوع في الانحرافات عن الدين القويم سواء في مهاوي الرذيلة والتحلل أو في متاهات التعصب والتطرف والإرهاب، ذلك ما يشهد به الواقع المشاهد ولم ينتم رواد الطرق والزوايا إلى جماعات العنف وممارسي الإرهاب والقتل باسم الدين الذي هو بريء كل البراءة من ذلك”.
 
 
 
صغير الحيدري
صحافي تونسي
 

آخر الأخبار

انقطاع الكهرباء يثير قلق أهالي القصرين: ما السبب وراء الظلام المفاجئ؟

انقطاع الكهرباء يثير قلق أهالي القصرين: ما السبب وراء الظلام المفاجئ؟

تحذير هام من الوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية: احذروا من حملات التصيد الإلكتروني

تحذير هام من الوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية: احذروا من حملات التصيد الإلكتروني

إيران تعلن الحداد بعد اغتيال حسن نصر الله: خامنئي يؤكد استمرار مسيرة المقاومة

إيران تعلن الحداد بعد اغتيال حسن نصر الله: خامنئي يؤكد استمرار مسيرة المقاومة

تطورات مثيرة في قضية حركة عازمون: إيداع أمينة المال السجن بتهم تزوير التزكيات!

تطورات مثيرة في قضية حركة عازمون: إيداع أمينة المال السجن بتهم تزوير التزكيات!

النادي الإفريقي يحقق انتصارًا مثيرًا في عقر دار الاتحاد المنستيري!

كرة السلة: النادي الإفريقي يحقق انتصارًا مثيرًا في عقر دار الاتحاد المنستيري!

Please publish modules in offcanvas position.