بين صفحات وطنٍ يسعى دائما لإعادة تعريف ذاته عبر قيم الإبداع والانتماء جاءت تظاهرة "إبداع ومواطنة" لتفتح نافذة واسعة أمام العائلات؛ أطفالها وشبابها وأوليائها لتجربة غنية تعيد تشكيل الروابط الأسرية على أسس جديدة، لم تكن هذه التظاهرة مجرد سلسلة فعاليات بل كانت مرآة تعكس كيف يصبح الإبداع وسيلة لتحرير الطاقات والمواطنة إطارا يربط الأحلام المشتركة بمسؤولية جماعية.
مقالات ذات صلة:
مسار البناء المستدام يقتضي ترسيخ قيم الهوية والمواطنة والوطن والوطنية في تونس
عبق المروج: فؤاد حمدي ينسج قصصًا للأطفال برائحة الوطن وقيم المواطنة
إيطاليا تطرد مواطنة تونسية بتهمة الإرهاب والإشادة بتنظيم الدولة الإسلامية
في انطلاقة البرنامج عبر الإذاعة المحلية لم يكن الصوت الذي تردد في الأرجاء مجرد كلمات بل كان دعوة للعائلات لتجديد التزامها بقيم المواطنة، تلك اللحظة الرمزية أعادت تشكيل العلاقة بين البيت والوطن وكأن كل فرد من الحضور يخاطب بلسان الوطن نفسه.
جلسة الحوار التي جمعت الأطفال والشباب والأولياء كانت أشبه بجسر يربط بين أجيال مختلفة حيث نثر الأطفال أحلامهم البسيطة وطرح الشباب رؤاهم الطموحة بينما وقف الأولياء كأعمدة حكيمة تستمع وتوجه، هذا وكان الحوار تفاعليا عميقا يُظهر كيف أن العائلة يمكنها أن تكون خلية حية تصنع المستقبل من خلال التفاهم المتبادل.
وفي ختام اليوم، جاءت الأمسية الموسيقية لتذيب الحواجز بين الحاضرين، حيث كانت الموسيقى أكثر من ألحان؛ كانت لغة عالمية تعبر عن روح الوحدة، لغة تذكر الجميع بأن الإبداع هو الخيط الذي يربط القلوب ويعزز الانتماء.
وفي اليوم الثاني حمل معه رسالة مفادها أن الإبداع ليس مجرد ملكة فردية بل قوة تجمع العائلة حول هدف واحد، فالمعرض الفني الذي عرضت فيه أعمال الأطفال والشباب أظهر براعتهم في ترجمة أفكارهم إلى أشكال وألوان بينما وقف الأولياء يشاهدون بفخر ثمرة دعمهم وتحفيزهم.
وورشات العمل لم تكن مجرد جلسات تعليمية بل لقاءات ملهمة تناولت مواضيع البيئة، المشاريع الصغرى، وتنمية المهارات، فقد كان الأولياء يشاركون أطفالهم في هذه الورش ليتعلموا معا كيف يمكن للإبداع أن يتحول إلى طاقة ملموسة تستخدم في بناء مستقبل أفضل.
أما المسرحية، فكانت بمثابة لحظة كشف ذاتي؛ فقد طرحت قضايا الأسرة والمجتمع عبر مشاهد أبدع الشباب في تقديمها، وكانت تلك اللحظات على الخشبة دعوة صامتة للأولياء لإعادة التفكير في أدوارهم، وللشباب لفهم التحديات بشكل أعمق.
أما اليوم الختامي للتظاهرة كان فرصة لتقييم ما تحقق من حوار وإبداع، ففي جلسة مفتوحة اجتمع الجميع للتحدث عن دور الأسرة في تعزيز القيم الوطنية حيث قدم الأطفال أفكارهم البريئة عن الوطن وتحدث الشباب عن رؤيتهم للتغيير وشارك الأولياء بتجاربهم في كيفية زرع المواطنة كقيمة يومية في البيت.
كذا لم يكن تكريم الأطفال والشباب على إبداعاتهم مجرد لحظة احتفال بل كان رسالة عميقة للأولياء بأن دعمهم هو ما يجعل هذه اللحظات ممكنة، تلك اللحظة المفعمة بالمشاعر اختتمت بالنشيد الوطني الذي جمع أصوات الأجيال في وحدة متناغمة وكأن الجميع يعلنون التزامهم برؤية مشتركة لمستقبل الوطن.
"إبداع ومواطنة" أثبتت أن العائلة ليست مجرد مؤسسة اجتماعية بل قلب نابض يمكنه أن يحرك المجتمع نحو التقدم، والأطفال الذين يجدون مساحة للتعبير عن أحلامهم، والشباب الذين يحصلون على الدعم لتحقيق طموحاتهم، والأولياء الذين يشاركون في بناء هذا المستقبل هم معا القوة الحقيقية التي تصنع التغيير.
السيد طارق الحمروني، رئيس جمعية "أنا الثقافة للأطفال والشباب والعائلة"، كان الرائد الذي قاد هذه التظاهرة برؤية استثنائية، فإدراكه العميق لدور الأسرة في تعزيز الإبداع والمواطنة جعله يبني جسورًا بين الأجيال محولا الأفكار إلى أفعال والمبادئ إلى واقع ملموس.
هذه التظاهرة ليست مجرد ذكرى بل هي درس مستدام في كيفية بناء مجتمع منفتح ومترابط، فلقد أثبتت أن المواطنة الحقيقية تبدأ من داخل العائلة حيث يتحول الإبداع إلى نمط حياة ويصبح لكل فرد دور في صياغة قصة الوطن الكبير.