نحن نهرب الى عالم الخيال كلما احتجنا الى الحلم كلما صار الواقع ضيقا وكلما اردنا لانفسنا خيارات غير التي نعيشها نسرق اجمل شخوص الحلم واعتاها لنصل غير متاخرين عن احلامنا فرسانا لا يشق لها غبار لذلك ركب شاعرنا في مجموعته : ما لم يقله السندباد صهوة السندباد يشق به اركان وطنه الحبيب يحكي لنا حكايات مصر العصيبة ابان الثورة ويصف لنا ألف ليلة وليلة من ليالي حلمه المسجى بالعشق لهذا الوطن يزور الكثير من الأماكن المجروحة ويلتقى بالكثير من المترددين في العشق اثناء ابحاره في منعطفات الوطن. يحدثنا عما لقي من المصاعب والأهوال ليستطيع النجاة في نهاية الامر .
شاعرنا احمد سويلم الذي استعان على الحقيقة بالحلم وبالسندباد ساحرا يغير به هذه الحقيقة الخانقة وكأن حلمه انذاك يحتاج لمعجزة ليتغير . وبقدر ايمانه بصعوبة الظرف بقدر ايمانه بانه القادر على تحقيق هذه المعجرات ولو منفردا ولو وحيدا وكاني به يجر وراءه شعبا باسره الى انتصار الحب وانتصار ارادة الحياة.
هذه المجموعة المكتظة بالحلم والداعية اليه المكتظة بالعشق والدالة عليه تبدأ صفحاتها الاولى بعنوان "محاذير" هذا العنوان المحير الذي يذكرني بصرامة علامات المرور وزجريتها يجعلني انتظر في سطور القصيدة مواضيع جادة عامة موضوعية واذا به براوغنا ولا يفي بما توقعناه منه من صرامة وبأس كيف لا وهو الذي يفتتح القول ب"لمن يعشقون هواها" يسترسل في هذا العشق معددا مزيا الوطن المعشوق مرددا عبارات الحب والشوق مستدرجا من أداروا الظهور ولم يعتد طريقتهم في الحب لهذا الوطن الى مسار حبه وطريقة عشقه دستورا يجتمع حوله كل المريدين والعاشقين . هذا التذكير الذي يصير نداءا صريحا "أيها العاشقون " ثم الى تحذير "فيا ايها العاشقون حذاري يضيع هواها" وكاني انظر الى الشاعر يبكي الوطن وهو يكشف عورة هذا الحب الصادىء المتعفن الجديد على القلوب يسميهم باسمائهم وينزع عنهم اقنعتهم "فان غدا سوف يهتك ستر المرابين بالعشق " بل اكثر من هذا هو ينزه الحب عن هذه المصلحية الملتحمة بالحب وكاني بالوطن يئن تحت وطاة الكذب والزيف والمصالح .لكل هذا كان على الشاعر ان يعلي صوته اكثر ويصدح بعشقه اكثر فاكثر ليعلو الصهيل صهيل عاصفة ثائرة بالعشق وكان صوته خيل عربي اصيل يحارب به في ساحة الوغى من اجل العزة من اجل استعادة الوطن المسلوب فضياع الوطن يعني بالضرورة الموت وعودة الوطن اعلان رسم لخارطة الحلم تحتاج من الشاعر ان يكون الفارس والمترجل في رحلة بحثه عن كل ما هو مضيء لوجه الوطن رحلة بين البحر والشمس يناجي فيها الكون كملاك منقذ يصاعد بجناحين الى السماء عله يقطف من هناك ثمار الحلم يعود بها الى جنان وطنه يزرعها فيه ينفخ فيها من روحه كلفه ذلك ما كلفه . ثابت الهدف والخطو تعيده ذاكرته احيانا الى الذين احبوا البلاد كما لا يحب البلاد احد الذين اصاعدوا الى السماء فيهديهم كلماته قناديلا تشتعل في الساحات تحول صمت الليل ولونه الى قصائد يزينها دمهم المسكوب في انشودة الصعود .. هذا العالم الدامي الجريح يصوره لنا الشاعر قصائد من نور وقناديل من الحلم يرص بها الصفوف ويبعث بها الحياة في كل ما حوله الى ان يشتهي الشاعر اقوى لحظات العشق وارقى امنيات العاشق المفتون ان "ضموا لكم جسدي" حتى يفوز بمكانتهم وينشد عن قرب رمز شهادتهم ويملا بالحب تصاعدهم الى جبال العشق . هو "عاشق الوطن الابدي" ينادي ليجمع حوله من يبثون في كونهم حفنة حلم ويزرعون في اعين الوطن لون الفرح.
هذا الهدف النبيل في الظرف العصيب الذي يعيشه الشاعر والذي حوله شاعرنا الى زمن حالم بامتياز وفرض عليه تمائم العشق يتجذر في قصيدة ما لم يقله السندباد هذه القصيدة المفتاح التي تحمل عنوان المجموعة كلها وتلخص مسار الكتاب وتفاصيل الحكاية التي ينشدها الشاعر ومن اجلها امتهن نهج السندباد . قصيدة تكتظ فيها عبارات العشق و مفردات الحلم لذلك عليك اولا بالوضوء لانك ستقرؤها كما تقرا تعويذة او كتابا كريما يقلبك بكل الجوارح حتى الجروح.
هذه قصيدة القلب واليه قصيدة مفتاح كما اشرنا يبوح فيها الشاعر بعمق حبه "انحلني العشق" ويفصح فيها عن مغامرته . هو السندباد سندباد العشق و فصل من فصول ليالي العشق واحد ورقات الف ليلة وليلة . كيف لا وولادته شهرزاد التي تغزل العشق حتى "لاينظفىء الحلم " قصتها قصة موج يعانق الريح . هذه المغامرة يخفيها القلب تعزف نغم الحب طول القصيدة تاتي مضمخة باثني عشرة مفردة عشق و سر من اسرار القلب "انه السر والحلم والعشق و الشوق" . حب بقدرما انحل الشاعر بقدر ما هو "طوق النجاة".
هذا العشق الذي يحمله الشاعر بين جنبيه لوطنه يفيض منه كزبد بحري في لحظة حاسمة يصير فيها "كل الرجال زاد لحيتان" البحر هذه القصيدة اللغز التي تنفلت من الشاعر السندباد بعد ليال من الاستنطاق والعذاب والتعذيب النفسي تنتهي به الى ان الحب وحده طوق النجاة وطريق العودة الى احضان الحياة و سبيل السعادة لسندباد جال البحار و قضى اليالي يعاند الموج يكابر مع الريح يقص حكاياه لهذي الحبيبة تائها كان وعائدا صار يحمي حماها وبها يستنير . والغريب ان هذا السندباد الذي يقضي ليلة اعترافاته على ضفاف الموج لا يملك القوة ولا الزاد ولا السحر حتى انه يذكرني بشهريار الذي تاسره –رغم كل صفاته المنتقاة- شهرزاد . كذلك حال شهريارنا السندباد الذي رغم سحره وبطولاته يجد في وطنه طوق النجاة
هذه التجربة الانسانية التي تصقل الشاعر ليقدمها لنا حكمة شعرية في صفحات تنقسم معانيها واحداثها بين بقية القصائد من محاذير الى سيرة البحر بما في ذلك قصيدة "وغاب السندباد" صاحب الرحلة المجهدة ذاك الذي "ضلت خطاه وغابت رؤاه" الى ان تسلح بالعشق فلم ينكسر بعدها وصارت بحاره نداءا من العشق ينهي شقاء الغياب .هذا الدواء الذي يبدد كل ارتياب في انتصار الشاعر لدور العشق محاربا به كل المصاعب وكل سوءات الذوات .
وما الذي ننتظره من شاعر يقطر العشق زهرا في الاوردة يعلمهم كيف يكون العشق الحقيقي واين يمكن ان نصل بهذا العشق فالعشق عند احمد سويلم وصفة الانتصار ولعها وصفته في الحياة للتغلب على كل مصاعبها في كل جيل وفي كل باب حكمة يدعو اليها بني وطنه وندعو نحن الى الاقتداء به لكل من يريد تحقيق الفوز بارقى الوسائل في هذي الحياة.
