✍️ توانسة خاص – السبت 10 ماي 2025
رحل أحمد العبيدي، الشهير بـ"كافون"، وترك وراءه شارعًا بلا صوت، وأجيالًا تعلّقت بكلماته، وغرفًا مليئة بصدى أغانيه التي قالت ما لم تستطع السياسة قوله، وما عجز الإعلام عن بثّه.
في سن الثالثة والأربعين، أسلم الجسد أخيرًا لمعركته الطويلة مع الألم، بعد سنوات من النزيف الصامت، ومع كل بترٍ كان يترك شيئًا من نفسه، من موسيقاه، من وجعه، دون أن يشتكي، لأنه تعوّد أن يتكلم غناءً لا دموعًا.
🎙️ من "حوماني" إلى الحنايا
عندما غنّى "حوماني" لم يكن يستعرض عضلات صوتية، بل كان يكتب بيانًا لجيل مسحوق، يصرخ باسم الأحياء المنسية، ويضع وجع الشارع التونسي على إيقاع لا يُنسى.
كافون لم يطلب مجدًا، بل طلب أن يُفهم. صنع من الراب والريڨي لغة جديدة للمهمّشين، وغنّى "شق شق" و"معليش" و"شبيني وبينك" وكأن كل بيتٍ موسيقيٍ فيه مرآة لعشرة آلاف شاب يحاول النجاة.
🎬 الموهبة التي لامست الشاشة... ثم اختفت
لم تكن تجربته التمثيلية في فيلم "وه!" أو مشاركته الرمضانية الأخيرة في "رقوج الكنز" مجرد مغامرات فنية، بل كانت نداءات أخيرة من فنانٍ يحاول البقاء واقفًا رغم العاصفة الصحية التي كانت تفتك بجسده.
💉 جراحٌ أكلت الجسد... ولم تأكل الإيمان
في آخر أيامه، خضع لعملية بتر جديدة، فقد ساقه الثانية، لكنه لم يفقد صلابته. كان يتكئ على "المعليش"، لا على العكاز.
كافون لم يسقط من المرض، بل سقط واقفًا، ككلّ الكبار الذين يختارون الخروج في هدوء، ويتركون العاصفة خلفهم.
🖤 وداعًا يا ابن الحومة...
وداعًا لمن غنّى من أجلنا، عندما صمت الجميع.
وداعًا للفنان الذي كانت الحومة خشب مسرحه، ودم الشباب حبّره.
وداعًا لكافون، الذي لم يمت... بل صار أغنية خالدة بين الأحياء الشعبية.
إنا لله وإنا إليه راجعون.