في مشهد اقتصادي عالمي متغير، قد يكون من قمة الحماقة أن يفترض كل من كندا والصين والمكسيك أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع التعريفات الجمركية قد ولى زمنها، وأن هذه الحكومات نجحت بالفعل في التصدي لهذا التهديد. على الرغم من جهود هذه الدول في التعامل مع الضغوط، يبدو أن الدائرة ستتسع قريباً لتشمل دولاً أخرى، مما يهدد بتداعيات اقتصادية خطيرة على مستوى العالم.
مقالات ذات صلة:
منصة رقمية وسياسات شفافة: المرصد التونسي للسياسات العمومية يعرض نتائج أعماله في جندوبة
الاقتصاد التونسي على حافة الانهيار: أزمة البطاطا تكشف عجز السياسات التجارية في مواجهة الغلاء
المناورة الذكية
اعتمدت الدول الثلاث على أسلوب دبلوماسي ذكي، تمثل في ما يُسمى بـ "مناورة فول الصويا". هذا المصطلح الذي يعود إلى عام 2018 عندما نجح جان كلود يونكر في التفاوض مع ترامب حول زيادة واردات الاتحاد الأوروبي من فول الصويا الأمريكي، وهو إجراء كان بالفعل مُنفذًا، لكنه أصبح أداة دبلوماسية فعالة لتفادي فرض تعريفات جمركية على السيارات الأوروبية.
وقد تبنت كل من المكسيك وكندا نهجًا مشابهًا، إذ أعلنتا عن تدابير جديدة لمكافحة تهريب الفنتانيل عبر حدودهما مع الولايات المتحدة، رغم أن هذا الأمر كان قد تم تنفيذه سابقًا. أما الصين، فقد قامت بإجراءات متعددة منها زيادة تعريفات الطاقة وتشديد قيود تصدير المعادن الاستراتيجية، إضافة إلى فتح تحقيق ضد شركة غوغل، مما يعكس استجابة مماثلة لضغوط ترامب.
التهديدات المستمرة: هل من حلول؟
ولكن حتى وإن نجحت هذه المناورات في الوقت الراهن، فإن ترامب سيظل يعود بمطالب جديدة. ربما تكون الصين هي الهدف الأكبر، لكن الدائرة ستتسع لتشمل الاتحاد الأوروبي ودول متوسطة الدخل مثل فيتنام، التي يعتبرها ترامب مجرد محطة للإنتاج الخارجي للشركات الصينية. وهذا لا يُبشر بخير للاقتصادات التي تعتمد على التصدير.
الاقتصادات الناشئة: الفرصة أو التحدي؟
بينما يُنظر إلى الاقتصادات الناشئة على أنها ربما تحل محل الصين في تزويد السوق الأمريكي بالبضائع، إلا أن خفض واردات الولايات المتحدة بشكل عام قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة. فحتى وإن كانت الدول مثل فيتنام والهند قد استحوذت على حصص سوقية إضافية في أمريكا، إلا أن القيود الجمركية على الواردات ستؤثر سلباً على اقتصادات هذه الدول.
وبينما أظهرت تجربة ترامب الأولى أن الاقتصادات الناشئة نجحت في الاستحواذ على حصة الصين في السوق الأمريكي، فإن التهديد الحقيقي يكمن في تقليص الواردات الأمريكية بشكل كبير. وهو ما قد يُدمّر الأسواق المحلية في هذه الدول.
الآثار الاقتصادية لتقليص الاستهلاك الأمريكي
إذا استمرت السياسات الحمائية التي يتبناها ترامب في تصعيد التعريفات الجمركية، فستشهد الشركات العالمية تحديات هائلة في البحث عن أسواق بديلة. فعلى الرغم من تصاعد الاستثمارات الصينية في الدول النامية، إلا أن أسواق مثل أوروبا وآسيا، لن تكون قادرة على تعويض السوق الأمريكي.
وتعد الأسواق المتقدمة مثل الاتحاد الأوروبي، التي تواجه تحديات في تحفيز النمو، في وضع غير مريح. إذ يبدو أنه حتى مع سعي الولايات المتحدة لتقليص العجز التجاري، فإن سياسات ترامب ربما تؤدي إلى زيادة الواردات، مما يعزز الطلب الاستهلاكي في أمريكا ويؤدي إلى تصاعد التوترات مع الدول التي تعتمد على التصدير إليها.
خلاصة: هل سيتكيف الاقتصاد العالمي؟
عالم التجارة اليوم يشهد تحديات معقدة. بين الحماية التجارية والرسوم الجمركية، نجد أن أهم الأسواق العالمية تتبنى سياسات متضاربة تهدد بتقليص الاستهلاك على نطاق واسع. في النهاية، تبقى الولايات المتحدة هي المحرك الأساسي، لكن مع تزايد هذه السياسات الحمائية، قد يشهد الاقتصاد العالمي مزيدًا من التوترات الاقتصادية في السنوات القادمة.
مع غياب الحلول السريعة، يُصبح من الضروري لكل الدول البحث عن أسواق بديلة وضبط سلاسل التوريد التي قد تكون قد تعثرت في ظل هذه السياسات الأمريكية، بما يحافظ على التوازن في التجارة العالمية.