61 ساعة شهريًا لفايسبوك.. و5 فقط للكتب!
✍️ إعداد: فريق مجلة "توانسة"
في مجتمع يُفترض أنه يخرج من مخاض الانتقال السياسي، يبدو أن "الوعي" ليس أولوية.
كشفت دراسة حديثة لمؤسسة أمرود كونسولتينغ عن مفارقة صادمة: التونسي يقضي شهريًا 61 ساعة على "فايسبوك"، مقابل 5 ساعات فقط في مطالعة الكتب. في المقابل، تتراكم الخيبات السياسية، وتستفحل الأمية الثقافية، وتُختزل المعرفة في مقاطع قصيرة ومواقف سطحية.
عندما تصبح المطالعة فعلاً مقاوِمًا
في التفاصيل، فإن 11% فقط من المستجوبين اقتنوا كتابًا خلال سنة كاملة، و22% طالعوا كتابًا واحدًا فقط، بينما 17% اكتفوا بالمطالعة الرقمية، في حين استمع 16% فقط إلى كتب صوتية.
الرقم الأبرز أن نسبة كبيرة من العزوف تُعزى إلى ضغوط الحياة اليومية، التطور التكنولوجي، وارتفاع أسعار الكتب.
لكن هذه الأسباب تُخفي واقعًا أعمق: هل تعلّم التونسي حقًا كيف يقرأ؟ وهل تمكّنت المدرسة من تنمية حسّ نقدي وفضول معرفي؟ أم أن النظام التعليمي لم يخرّج سوى أجيال تقرأ من أجل الامتحان؟
مجتمع رقمي بلا ذاكرة
التونسي، بحسب سبر الآراء، يقضي أيضًا شهريًا: 54 ساعة على تيك توك، 47 على إنستغرام، 39 على يوتيوب، و27 على منصة إكس (تويتر سابقًا).
هذه المنصات ليست بالضرورة "عدوة للقراءة"، لكن الخطر يكمن في طبيعتها السطحية، وانشغالها بالمثير، والميل نحو الاختزال المخلّ بالمعنى.
نحن أمام جيل يشكّل آراءه من خلال منشورات عاطفية وفيديوهات مركبة بعناية للربح التجاري، لا للفهم المعرفي. وهذا التفاعل المستمر مع الشاشات يخلق إدمانًا سلوكيًا يصعب معه الجلوس إلى كتاب لساعة متواصلة.
بين القطيعة الثقافية وفقر السياسات
المفارقة أن هذه الأرقام رغم هولها، تشير إلى "تحسن طفيف" مقارنة بعام 2015، وفق ممثل "أمرود"، فتحي بن عبد الله.
لكن هذا "التحسن" غير كافٍ أمام التدهور الثقافي العام، وغياب سياسات عمومية محفزة على القراءة، سواء في البرامج التربوية، أو في الميزانيات المخصصة لدور الثقافة والمكتبات العمومية.
في بلد يُفترض أن الثورة منحته حرية التعبير، بقيت حرية التفكير حبيسة الجهل، والفقر، والتهميش، والانبهار بالتفاهة الرقمية.
هل من ضوء في آخر النفق؟
ربما يكمن الحل في مراجعة جذرية للسياسات الثقافية والتربوية، وتحرير الكتاب من النخبوية، وإعادة ربطه بحياة المواطن اليومية.
لكن، إلى ذلك الحين، يبدو أن التونسي سيواصل التمرير بإصبعه أكثر من التقليب بين صفحات كتاب.
والسؤال المؤلم يظل مطروحًا:
هل أصبحت القراءة طقسًا من الماضي في زمن الإله الأزرق المسمّى فايسبوك؟