ترحيل الخلافات بشأن الفريق الحكومي إلى اجتماع رؤساء الأحزاب والمنظمات، والمعارضة ترفض الوثيقة قبل صدورها.
استكملت اللجنة الفنية المكوّنة من أعضاء الأحزاب والمنظمات الوطنية التونسية المساندة لحكومة الوحدة الوطنية صياغة مسودة “وثيقة قرطاج 2” وأحالتها على لجنة رؤساء الأطراف الموقعة على الوثيقة الأولى التي يشرف عليها الرئيس الباجي قائد السبسي.
وأكّدت يسرى الميلي عضو باللجنة وقيادية بحزب الاتحاد الوطني الحر أن الوثيقة الجديدة مغايرة تماما للوثيقة الأولى التي تم توقيعها في 2016، من حيث الأولويات.
وأشارت إلى أن الاتفاق الراهن يتضمّن أكثر من 100 إجراء عملي لمعالجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي لـ18 شهرا المتبقية على الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع تنظيمها العام المقبل.
وأكدت الميلي أن المسودة تضمنت محاور مفصّلة بإجراءات عملية تُلزم الحكومة القادمة بتنفيذها بحذافيرها خاصة وأن هدفها الأساسي يتعلق بإنقاذ الوضع الاقتصادي وتلبية المطالب الاجتماعية الملحّة.
ويواجه الاقتصاد التونسي صعوبات جمّة، زادت حدتها بسبب الاعتصامات التي تسببت في وقف استخراج الفوسفات بمحافظة قفصة جنوب غرب البلاد، ليعلن في ما بعد عن استئناف الإنتاج.
وأوضحت الميلي أنّ أهم المحاور المدرجة بمسودة الوثيقة الجديدة تتعلق أساسا بالاستثمار وإصلاح وضع المالية العمومية، إلى جانب محاربة التجارة الموازية والملف الحارق الخاص بالإصلاحات الاقتصادية الكبرى.
وتنصّ المسودة بحسب القيادية بحزب الاتحاد الوطني الحر أيضا على عدة إجراءات في مجال دفع الاستثمار وخاصة في الجهات النائية وتكريس العدالة الاجتماعية إلى جانب إقرار منحة للباحث عن عمل واليات توفير مواردها وإجراءات أخرى للشباب، فضلا عن خطة إنقاذ اقتصادي شامل وأخرى لتحقيق العدالة الجبائية.
ومن بين الإجراءات المتخذة في ملف الجباية تم التنصيص على وجوب التخفيض في الأداءات وتوسيع القاعدة لاستيعاب أكثر ما يمكن من السوق الموازية.
وتم تشكيل لجنة الخبراء عقب دعوة قائد السبسي في شهر يناير الماضي كل الموقعين على وثيقة أولويات الحكومة للاجتماع بقصد إعادة ترتيب أولويات المرحلة اثر مطالبة أكبر منظمتين اجتماعيتين في تونس (اتحاد العمال ومنظمة ارباب العمل) بوجوب إجراء تعديل وزاري عميق قد يشمل رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
وشارك في إعداد وثيقة قرطاج 2 أربع منظمات وطنية وخمسة أحزاب سياسية بعد أن انسحبت منها أربعة أحزاب هي الحزب الجمهوري وحركة مشروع تونس وحركة الشعب وآفاق تونس.
وتشغل مسودة وثيقة قرطاج 2 الطبقة السياسية والرأي العام خصوصا في علاقة بما ستأتي به من جديد مقارنة بالوثيقة الأولى التي أفرزت حكومة يوسف الشاهد في يوليو 2016.
ورغم التوافق على صياغة المسودة الأولية، فان مصادر مطلعة أسرّت بوجود العديد من العقبات والاختلافات التي ستحسمها لجنة رؤساء الأحزاب والمنظمات في الاجتماعات المرتقبة.
وأكدت نفس المصادر أن من أهم الخلافات التي اعترضت أعضاء لجنة الخبراء عدم التوافق خاصة بين اتحاد الشغل ومنظمة أرباب العمل من جهة وبين الأحزاب السياسية من جهة ثانية حول ملف الإصلاحات الكبرى وتحديدا حول مسألة إعادة هيكلة المؤسسات العمومية.
ويضع اتحاد الشغل، أكبر منظمة عمالية في البلاد، خطوطا حمراء أمام أي إمكانية للتفويت في المؤسسات العمومية، فيما تعتبر الحكومة ومنظمة أرباب العمل وبعض الأحزاب الليبرالية أن الوقت حان لخصخصة المؤسسات الخاسرة التي تكلف الموازنة العامة للبلاد أموالا طائلة.
ورحلت لجنة الخبراء نقاط الخلاف حول القضايا السياسية إلى اجتماع رؤساء الأحزاب والمنظمات، وبينها موضوع بقاء حكومة يوسف الشاهد.
وقالت مصادر مطّلعة إن الاتحاد تراجع عن الفيتو الذي كان يرفعه بوجه الشاهد وحكومته، وإن الاتفاق الأولي يتجه نحو بقائها حتى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
ولم تقدر لجنة الخبراء على حسم العديد من النقاط الخلافية المتعلقة بالملف السياسي وخاصة المتعلق بشكل الحكومة القادمة المرتقبة أو الشخصية التي ستقود المرحلة إلى غاية انتخابات 2019.
وقالت يسرى الميلي، إن اللجنة الفنية التي صاغت مسودة وثيقة قرطاج 2 رحّلت كل الملفات السياسية إلى اجتماع رؤساء الأحزاب والمنظمات بالنظر إلى حساسية المسائل المطروحة.
وأكّدت أن أهم الخلافات المضمنة بالمسودة تتعلق بشكل الحكومة القادمة، مشيرة إلى أن البعض اقترح حكومة مضيّقة والبعض الآخر اقترح حكومة مصغّرة، فيما اقترحت منظمة أرباب العمل حكومة كفاءات وطنية.
وبيّنت عضو لجنة الخبراء أن أعضاء حركة النهضة الإسلامية يرفضون مقترح أن تقليص أعضاء الحكومة. ويضمّ الفريق الحكومي الحالي 43 وزيرا وكاتب دولة.
في المقابل، أكدت الميلي أن جلّ الأطراف الأخرى مقتنعة بأنه حان الوقت لتشكيل حكومة مصغّرة بكفاءات وطنية تكون فاعلة وناجعة.
قالت الميلي إن من أهم النقاط الأخرى التي تم تضمينها بالمسودة والتي أثارت جدلا صلب الأطراف التي صاغتها تتعلق بمقترح إلزام رئيس الحكومة المقبلة وكل أعضاء حكومته بالتعهد بعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وحول مصير يوسف الشاهد، أكّدت الميلي أن المسودة لم تتطرّق أبدا للشخصية التي ستترأس الحكومة المقبلة، مشيرة الى أن اللجنة صاغت فقط أشكال الحكومة المرتقبة دون تقديم مقترحات بشأن رئيسها.
وأكّدت أن مسألة بقاء الشاهد من عدمه على رأس الحكومة يبقى من مشمولات لجنة رؤساء الأحزاب والمنظمات المعنيين أكثر من لجنة الخبراء بالمستقبل السياسي للبلاد.
وتُجابه وثيقة قرطاج 2 قبل المصادقة عليها بانتقادات لاذعة من طرف أحزاب المعارضة، وخاصة الأطراف المنسحبة من وثيقة قرطاج 1.
وقال الأمين العام للحزب الجمهوري (حزب منسحب من وثيقة قرطاج 1) عصام الشابي إنه لا ينتظر شيئا جديدا في وثيقة الأولويات الجديدة قد تكون قادرة على إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
واعتبر الشابي أن صياغة وثيقة جديدة لأولويات الحكومة جاءت في إطار محاولات الائتلاف الحاكم وتحديدا نداء تونس وحركة النهضة المحافظة على المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات 2014.