عمال الحضائر في تونس يطالبون الرئيس قيس سعيد بتسوية ملفهم ووضع حد لكل التعطيلات التي واجهها ملفهم ويلوحون بالدخول في تحركات احتجاجية.
لا يزال ملف عمال الحضائر من أبرز الملفات الحارقة بعد ثورة جانفي 2011 في تونس، حيث أصبح هؤلاء عبئا على ميزانية الدولة ويكلفون الخزينة العامة مبالغ مالية ضخمة، بسبب الانتدابات العشوائية للحكومات المتعاقبة، وغياب مساهمتهم في دفع النمو الاقتصادي بالبلاد.
تونس- يثير ملف عمال الحضائر جدلا واسعا في تونس، حيث لا يزال الغموض يكتنف وضعية هؤلاء الذين أصبحوا يكلفون الدولة خسائر مادية كبيرة، مقابل وظائف وهمية لا تخلق الثروة، وسط تساؤلات الخبراء والمراقبين عن خطة الرئيس قيس سعيّد بشأن مستقبل العمال.
ودعا سامي الخليفي، الناطق باسم تنسيقيات عمال الحضائر، الرئيس سعيّد إلى “إنصاف عمال الحضائر”، مشيرا إلى أنّهم طلبوا لقاء الرئيس العديد من المرات ولم يتلقوا أيّ إجابة.
وطالب بتفعيل الأوامر الترتيبية المتعلقة بترسيم عمال الحضائر دون سن الخمس والأربعين سنة وفق الاتفاق الممضى بين اتحاد الشغل ورئيس الحكومة السابق في أكتوبر الماضي، وبوضع حد لكل التعطيلات التي واجهها ملفهم طيلة عقد كامل، ملوحا بالدخول في تحركات احتجاجية بعد الخامس عشر من سبتمبر الجاري.
ونقلت وكالة أنباء التونسية عن الخليفي قوله “من المفروض أن يتمّ إعداد قائمات العمال المعنيين بالترسيم قبل الخامس عشر من سبتمبر الجاري وفقا للاتفاق، وأن يتمّ الانطلاق في ترسيم الدفعة الأولى منهم في شهر ديسمبر القادم، إلا أن الإجراءات لم تتقدّم إلى حد الوقت الراهن، خاصة في ظل عدم تسمية رئيس حكومة جديد، بعد إقالة هشام المشيشي”.
وأضاف “ما زال عمال الحضائر فوق سن الخمس وأربعين سنة، المشمولون بالقانون الاستثنائي الذي يمكّن من انتدابهم، والذي تم نشره في الرائد الرسمي بتاريخ الحادي عشر من جوان الماضي في انتظار إصدار الأوامر الترتيبية والتوضيحية المتعلقة بترسيمهم”، داعيا الرئيس سعيّد إلى “إنصافهم بجميع أصنافهم، لاسيما أمام غلاء المعيشة المشط الذي لا تتحمله هذه الفئات الهشة بالخصوص”.
وأمضى رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي والاتحاد العام التونسي للشغل يوم العشرين من أكتوبر 2020 اتفاقا يقضي بتسوية ملف عمال الحضائر، وبانتداب واحد وثلاثين ألفا منهم بالوظيفة العمومية ممن لا تتجاوز أعمارهم خمسا وأربعين سنة على دفعات، وتمكين الراغبين في المغادرة من تعويض مالي.
ويرى خبراء أن الدولة غير قادرة على توفير رواتب هؤلاء في ظل الأزمات الاقتصادية المتراكمة، مطالبين الرئيس سعيّد بتشكيل حكومة قوية من شأنها أن تنظر في مثل هذه الملفات الحارقة.
وأكد الخبير الاقتصادي معز الجودي “وقعت تسوية عمال الحضائر في سنة 2020 (عهد حكومة يوسف الشاهد)، ثم في مرحلة ثانية بعد ضغط من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد)”، مستدركا “لكن الدولة غير قادرة على توفير رواتب هؤلاء”.
وأضاف “عدد العمال يبلغ مئة ألف عامل، ثلاثون ألفا منهم تم إدماجهم في الوظيفة العمومية، وسبعون ألفا كانت ستقدم لهم تعويضات مادية مقابل إنهاء العقود، ومنهم من طالب بإدماجه في الوظيفة العمومية”.
وتابع الجودي “حجم الرواتب في الوظيفة العمومية سنويا يبلغ واحدا وعشرين مليار دينار (7.53 مليار دولار)، وصندوق النقد الدولي كثيرا ما طالب السلطات التونسية بالتقليص في كتلة الرواتب أو تسريح عدد من الموظفين، لأن الدولة لا تملك الإمكانيات المادية، وهناك جزء كبير من الانتدابات (على غرار عمال الحضائر) تم بصفة عشوائية بعد 2011، والدولة أنجزت عقودا لهؤلاء لكنها لم تستطع التكفل بهم”.
وبخصوص خطة الرئيس سعيّد بشأن عمال الحضائر، قال الجودي “هذا الملف من ضمن الملفات الحارقة، والرئيس مطالب بوضع حكومة قوية وقادرة على إيجاد الحلول وأخذ قرارات صارمة ومدروسة”، لافتا “عملية إدماج هؤلاء في الوظيفة العمومية صعبة جدا”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “من أسباب فشل الحكومات المتعاقبة أن عددا كبيرا من عمال الحضائر يتقاضون رواتب دون أي مجهود أو عمل، وهناك من يشتغل شغلا موازيا، وكلها أمور تمت تحت ضغوط سياسية”.
ويعتبر مراقبون أن الدولة غرقت في الانتدابات العشوائية منذ 2011 في إطار الترضيات، بتقديم وظائف وهمية لإسكات أصوات قد تحتج ضد السلطة وتطالب بالتشغيل في أي لحظة، واصفين وضعيتهم بـ”الغريبة”.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي “في سنة 2011 الاستحقاقات الاجتماعية فاقت بكثير موارد الدولة، وهناك ضغط لخلق هذه الوظائف الوهمية على غرار عمال الحضائر والبستنة”.
وأضاف “في ولاية تطاوين جنوب البلاد، هناك من هددوا بالإضراب، وهذا الملف ليس من مشمولات قيس سعيّد، بل مسؤولية الحكومات السابقة، وهذه وضعية غريبة في الدولة”.
وقال الرابحي “الرئيس سعيّد يريد خلق مشاريع فعلية وليست وهمية، ويجب أن يتحول هذا العمل الوهمي إلى إنتاج وعمل حقيقي”، وأردف “سعيّد واضح ويريد اقتصادا نظيفا، وسيتم تطبيق قانون الصلح الجزائي الذي ينادي به الرئيس، وهو أن كل رجل أعمال تتعلق به شبهة فساد يدفع جزءا من أمواله لخلق الثروة، وتحويل عمال الحضائر إلى العمل في المشاريع الجهوية”.
واستطرد “لن يقع قطع رواتبهم، بل سيتم التفكير في عمل حقيقي يساهم في بناء الاقتصاد”.
ويبدو أن مخاوف عمال الحضائر من فقدان وظائهم أصبحت تتعاظم من يوم إلى آخر، خصوصا في ظل تأخر السلطات في الحسم في مصيرهم نهائيا، ما جعل هؤلاء يكثفون من احتجاجاتهم.
وسبق أن قال عضو التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر صبري بن سليمان إن “العديد من المؤشرات تؤكد عدم وجود أي إرادة من الحكومة لتنفيذ ما ورد في محضر الاتفاق الخاص بعمال الحضائر، والممضى في أكتوبر 2020 مع الاتحاد العام التونسي للشغل”.
وعبر بن سليمان في تصريح صحافي عن الاستياء من التأخير الحاصل في تفعيل بنود الاتفاقية المذكورة، لافتا إلى مضي الحكومة في “سياسة المماطلة والتسويف”.
ويقدر عدد عمال الحضائر من الذين فاقت سنهم خمسا وأربعين سنة، حسب بن سليمان، بخمسة عشر ألفا و245 عاملا، من بينهم عدد كبير يرغب في الخروج الطوعي مقابل تعويض مادي.