شؤون وطنية

سفير أميركا: شركات أميركية مستعدة للاستثمار في مجال النقل واللوجستيك.

تحاول واشنطن الحفاظ على موقعها في منطقة شمال أفريقيا من خلال دعم المسارات السياسية الجديدة الرافضة لحكم التيارات الإسلامية، على غرار تونس التي تخلّصت من منظومة الإسلام السياسي بقيادة حركة النهضة وحلفائها، وتعمل على خلق مناخ ملائم للاستثمار والتشجيع على دفع نسق الاقتصاد الضعيف فيها.

تونس - تواصل الولايات المتحدة المراهنة على دعم تونس في جميع المجالات الحيوية لدفع نسق الاستثمار، خصوصا بعد قرارات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من جويلية الماضي، حيث أكدت السفارة الأميركية على أن واشنطن مستعدة للاستثمار في عدة مجالات بتونس.

وأعلنت وزارة النقل مساء الاثنين أن دونالد بلوم سفير الولايات المتحدة بتونس أكد خلال لقاء جمعه بوزير النقل ربيع لمجيدي استعداد بعض الشركات الأميركية للاستثمار في مجال النقل واللوجستيك.

وقال بلاغ صادر عن الوزارة نشرته بصفحتها على موقع فيسبوك، إن بلوم شدّد “على حرص بلاده الدائم على معاضدة مجهودات تونس لتطوير البنية التحتية المتصلة بالنقل واللوجستيك، ودعوته إلى تكثيف التواصل والتفاوض لتجسيد مشروع الاتفاق الثنائي في مجال النقل الجوي”.

ونوّه الوزير بالدّعم المتواصل الذي تحظى به تونس من الولايات المتحدة، وأعرب عن تطلّعه للمزيد من تعزيز علاقات التّعاون عبر دفع الاستثمار الموجّه أساسا للمشاريع ذات الأولوية والمشاريع المستقبلية والاستفادة من الخبرات والتجارب المتقدّمة، خاصة في مجالي الأمن والسلامة بالموانئ والمطارات.

وأشارت الوزارة إلى أن لمجيدي استعرض أيضا المقومات التي تملكها تونس لتركيز منظومة نقل بحري متطورة، وإلى أنه أبرز الأهمية البالغة التي يكتسيها مشروع الميناء بالمياه العميقة بالنفيضة والمنطقة اللوجستية المتاخمة له، بما يؤهّله ليكون منّصة عبور ذات قيمة مضافة باتجاه أفريقيا وأوروبا.

وأكدت الوزارة أن الطرفين تطرقا كذلك إلى التقدّم الملحوظ بخصوص متابعة برنامج الوكالة الأميركية لتحدّي الألفية لتوسعة وتطوير ميناء رادس، الذي بلغ أشواطا متقدّمة في انتظار استكمال إجراءات إمضاء الاتّفاقية والمصادقة عليها والشروع في التنفيذ بداية من سنة 2023.

وأكّد مراقبون على أهمية الدعم الأميركي لتونس من خلال الاستثمار في مجال النقل، ورصد مبالغ مالية مهمة لذلك، وهو ما عجزت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 على تفعيله واستغلاله.

وأفاد الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن “الدعم جاء عن طريق هبة قدمتها منظمة أميركية قيتمها 500 مليون دولار”.

وأضاف “هذه الأموال كانت مرصودة منذ سنوات، لكن الحكومات السابقة لم تحسن إدارتها لدعم المشاريع اللوجستية والنقل”، لافتا “سيتم صرفها لدفع القطاع اللوجستي بعد تراجعه في السنوات الأخيرة في تونس”.

واعتبرت شخصيات سياسية أن الولايات المتحدة تراهن على لعب دور إقليمي مهم في شمال أفريقيا وكسب ودّ السلطات التونسية عبر دعم الاستثمار وتقديم المشاريع، مسجّلة تغيرا واضحا في موقف واشنطن من السياسة التونسية، خصوصا بعد قرارات الرئيس سعيّد في الصائفة الماضية.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “المعادلة السياسية والإقليمية اليوم أصبحت لصالح أوروبا على حساب أميركا، وواشنطن مستعدة أن ترفع يدها عن التيارات الإسلامية، لأن الإدارة الأميركية هي إدارة التقاط اللحظة في علاقة بموازين القوى الإقليمية”.

وأكد “واشنطن تتعامل مع الدول العربية عن طريق المشاريع الاستثمارية والطاقية، خصوصا في ظل تقارب جزائري – مصري لإذابة الجليد بينهما، وأميركا تريد أن تتواجد في تونس لأنها تراها مثالا للديمقراطية، وهي تريد موقع قدم في المنطقة (ليبيا والجزائر)”.

وأضاف الرابحي “الإدارة الأميركية ليس لها خيار إلا مساعدة تونس بالمشاريع الاستثمارية لأنها تخشى أن تنخرط تونس في محور جزائري – صيني، والتغيير في المواقف بدأ منذ الخامس والعشرين من جويلية الماضي في علاقة بقرارات الرئيس التونسي”. واستطرد “أميركا تستجيب إلى إرادة الشعب التونسي، لكنها تبحث عن حماية مصالحها إقليميا”.

ويبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت تغيير سياساتها تجاه دول المنطقة، خاصة تونس إثر الانتفاضة الشعبية على المنظومة السياسية التي حكمت البلاد بعد ثورة جانفي.

وفي وقت سابق أعلن وفد الكونغرس الأميركي الذي قاده السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، عدم دعم بلاده لأي طرف سياسي على حساب آخر في تونس.

وجاء ذلك بعد تحركات من حركة النهضة الإسلامية في تونس لتحصيل دعم سواء من الولايات المتحدة أو غيرها ضد خصومها وفي مقدمتهم الرئيس قيس سعيّد.

ويرى مراقبون أن القوى الغربية الفاعلة، غيرت من تكتيكاتها وفق ما يجري في العالم وأصبحت تصغي أكثر لصوت الشعوب التي آمنت أكثر بدورها في التغيير وقدرتها على ذلك، وخاصة بعد فشل التيارات الإسلامية في تقديم بدائل اقتصادية واجتماعية لشعوبها.

وساهمت الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيّد في تحجيم نفوذ النهضة حيث جمّد البرلمان الذي كانت تفرض سطوتها عليه، وأقال الحكومة برئاسة هشام المشيشي الذي كان حليفا للحركة الإسلامية، فيما رفع الحصانة عن النواب البرلمانيين وذلك تطبيقا للفصل 80 من الدستور التونسي.

وبعد قرارات الرئيس قيس سعيد، كرست حركة النهضة ثقافة الاستقواء بالأجنبي لفرض أجنداتها، وذلك من خلال الترويج لسردية المظلومية التي تميز تيارات الإسلام السياسي عن غيرها.

ولا تُخفي الحركة التي أمسكت بزمام الأمور في تونس بعد ثورة الرابع عشر من جانفي 2011 رغبتها في حدوث نوع من الضغط الخارجي الذي يوقف الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021 والتي تنص على تجميد أعمال البرلمان واختصاصاته وإقالة حكومة هشام المشيشي ورفع الحصانة عن النواب في البرلمان.

وعلى الرغم من أن خطاب الحركة اتسم بالتهدئة مع الرئيس قيس سعيد بعد أن وصفت إجراءاته بالانقلاب، إلا أن عددا من قياداتها لم يتردد في إطلاق حملة واسعة النطاق سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها للضغط على الدوائر السياسية الغربية لتبني موقف متشدد إزاء خصومها.

ومنتصف ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس التونسي مجموعة من الإجراءات الجديدة التي تمثل خارطة طريق سياسية للبلاد لمدة عام مقبل، تشمل استمرار تجميد البرلمان إلى حين إجراء انتخابات تشريعية في البلاد، والاستفتاء على الدستور في مارس المقبل.

خالد هدوي
صحافي تونسي