المعلومات الكاذبة مادة يتداولها الإعلام ووسائل التواصل على حدّ السواء.تتعدد المبادرات الحكومية والخاصة التي ترصد الأخبار الزائفة في تونس، لكنها لا تتمكن من وقف انتشارها خاصة في ذروة الأحداث السياسية أو حتى الاجتماعية المفاجئة حيث يكثر تداول المعلومات المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت مصدرا للكثير من الأخبار، دون التأكد من صحتها.
تونس- تصدّرت التطورات التي شهدتها تونس خلال الأشهر الماضية المشهد على الساحة المحلية والعربية وحتى العالمية عقب إصدار الرئيس التونسي قيس سعيّد في الخامس والعشرين من جويلية الماضي عددًا من القرارات التي أعقبها جدل واسع وانتشار كبير للادّعاءات الزائفة والمضلّلة.
وشملت هذه القرارات إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، وتجميد عمل واختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس النواب، إضافة إلى تولّي الرئيس سعيّد السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه بنفسه. واستكمالا لهذه الإجراءات عيّن سعيّد نجلاء بودن رمضان رئيسة للحكومة.
ويقول الفاعلون في الوسط الإعلامي التونسي من نقابات وهياكل تنظيمية إن الأخبار الزائفة تُستغل أحيانا لتوجيه الرأي العام وتضليله، خاصة أن الأخبار صارت تنتشر بسرعة ودون تدقيق على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الصفحات التي تسمي نفسها صحفًا إلكترونية.
ورصدت منصّة “مسبار” وهي منصة عربية لفحص الحقيقة وكشف الكذب في الفضاء العمومي أبرز الأخبار المضلّلة التي انتشرت عقب قرارات سعيّد، فبعد صدور القرارات انتشرت على نطاق واسع صورة جرى تداولها لرئيس البرلمان المجمّد وزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي مع ادّعاء بأنها للحظة خروجه من مجلس النوّاب مُجرّدًا من ملابسه، لتتحقّق منها “مسبار” وتجد أنّها مفبركة. وكذلك الخبر الزائف عن وضع الغنوشي تحت الإقامة الجبرية، وخبر تعيين الإعلامي التونسي لطفي العماري مديرًا عامًّا للإذاعة والتلفزيون التونسي، وهو ما نفاه العماري بنفسه.
وانتشر تصريح منسوب إلى المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل قالت فيه “غريب أمر نوّاب تونس، 10 سنوات لم يسمعوا صوت تونسي واحد، واليوم أصبحوا يدقّون أبواب السفارات ويساومون سيادتهم من أجل الرجوع إلى الحكم وبأي ثمن حتى وإن باعوا بلادهم”. وتحقّق فريق “مسبار” من هذا التصريح ليجد أنه زائف ولا أساس له من الصحة.
ولم يهدد الغنوشي أوروبا في مقابلته مع صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية بعودة العنف والإرهاب إلى تونس إذا لم يتراجع الرئيس سعيّد عن قراراته. كما لم يدعُ القيادي السابق في حركة النهضة رضوان المصمودي الجيش الأميركي إلى التدخّل في تونس.
وانتشر ادّعاءٌ زائفٌ يقول بأنّ راشد الغنوشي فوّض صلاحياته البرلمانية إلى النائبة الأولى سميرة الشواشي، وبالتحقّق تبين أنّ المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة رياض الشعيبي نفى الخبر في منشور له على فيسبوك، وأكّد أنّ الغنوشي لم يفوّض صلاحياته الدستورية لأي شخص.
وتأكّد فريق “مسبار” من أنّ صحيفة “نيويورك تايمز” لم تنشر تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن يمدح فيها سعيّد، ولم تنشر صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تصريحًا لبايدن يقول فيه إنّه “لم يرَ رئيسًا عربيًّا مثل قيس سعيّد، وأنه رغم الإغراءات والمليارات لكنّه اختار الشعب”. كما لم تؤكّد “ذا إندبندنت” تعرّض رئيس الوزراء التونسي المُقال هشام المشيشي للاعتداء بالضرب في القصر الرئاسي لحمله على التنحّي من منصبه.
ومن بين أهم الأخبار التي تداولها التونسيون في الآونة الأخيرة خبر مفاده صدور أمر رئاسي في الرائد الرسمي التونسي (الجريدة الرسمية)، استُبدل بمقتضاه تاريخ عيد الثورة التونسية من الرابع عشر من يناير إلى يوم السابع عشر من ديسمبر، وهو ما تقول “مسبار” إنها تحققت منه ووجدت أنه لم يصدر في الرائد الرسمي أيّ أمرٍ يتعلّق بتغيير تاريخ عيد الثورة عامة وأن الصورة المتداولة مفبركة.
وانتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للقاء الرئيس التونسي بوفد إماراتي يترأسه المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش في قصر قرطاج في تونس، يُظهر سعيّد وهو يتحدّث عن التطبيع بوصفه خيانة عظمى. ونُشر مقطع الفيديو تحت عنوان “سعيّد يلقّن الوفد الإماراتي درسًا قاسيًا عن التطبيع والخيانة”، إلّا أنّ “مسبار” كشفت أنّ الفيديو مفبرك وتم تركيب الصوت عليه.
ولم يُنظّم المحامون التونسيون وقفة احتجاجية ضد قرارات سعيّد. ولم يُصدر سعيّد قرارًا بإحالة مفتي تونس عثمان بطيخ إلى القضاء بسبب قضايا فساد. ولم يُصدر قرارًا بعدم تمويل المسلسلات التلفزيونية لأنّ وزارة الصحة أولى بها.
كما تداولت حسابات على موقع فيسبوك تصريحًا منسوبًا إلى السفير الفرنسي السابق في تونس أوليفيي بوافر دارفور قالت إنّه من معرض ردّه على سؤال طرحه عليه صحافيّ في قناة “أل.سي.آي” الفرنسيّة قال فيه “لن يصل إلى الحكم من يهدّد مصالح فرنسا الحيويّة في تونس”، لكنّ الادّعاء زائف ومفبرك كما كشف فريق “مسبار”.
وتداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي ادّعاء مضللًا مفاده أنّ الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي صرّح بالقول “يجب عزل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وتولّي راشد الغنوشي رئيس البرلمان رئاسة الجمهورية بالنيابة بصفة مؤقتة في إطار فترة انتقالية”، ولكن بالتحقّق تبيّن أنّ الادّعاء مضلّل.
وأكد فريق “مسبار” أن المملكة العربية السعودية لم تعلن تكفّلها بسداد ديون تونس، كما لم تقُل “نيويورك تايمز” إنّ سعيّد منشغل بتعزيز سلطته، ولا وقت لديه لمعاناة التونسيين. ولم تمنع تونس مرور الطائرات الفرنسية بأجوائها.
وتداولت مواقع إخبارية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، خبرًا يدّعي أنّ وزارة الخارجية الفرنسية أصدرت بلاغًا تُحذّر فيه رعاياها في تونس بسبب وجود خطر هجوم في المنطقة، وصفته بعض الصفحات بالإرهابي. وقالت حسابات إنّ الخارجية تلمّح إلى “قرب حدوث انقلاب في تونس وأزمة داخل القصر الرئاسي”.
ووجد تحقّق “مسبار” أنّ الادّعاء يحتوي على انتقائية وإثارة، إذ أنّ الخارجية الفرنسية حذّرت مواطنيها المقيمين في تونس أو المسافرين إليها وإلى عدّة بلدان أخرى من خطر التعرّض لهجوم، وطلبت منهم التحلّي بأقصى قدر من اليقظة.
وتعدّ جائحة كورونا فضاء خصبا للمعلومات الزائفة، حيث رصد فريق “مسبار” تداول مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عددا من الأخبار الكاذبة.
وتداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي صورة قالت إنّها لجثث ضحايا فايروس كورونا المستجد في تونس، وعلّقت عليها “تونس تودع أبناءها بهذه الطريقة المؤلمة”. ووجد فريق “مسبار” أنّ الصورة مضلّلة، كما لم تسجّل تونس صفر حالة إصابة بكورونا خلال شهر أكتوبر 2021، ولم تكن تونس الأولى عالميًّا في نسبة وفيات وإصابات كورونا خلال شهر أفريل 2021.
وفي الأخبار الاجتماعية فنّدت “مسبار” خبرًا زائفًا يدّعي أنّ تونس ستوافق قريبا على قانونية السماح للرجال بالزوجة الثانية لتقليص نسبة العنوسة، ولم يصدر عن أيّ جهة رسمية مشروع قانون يبيح ذلك.
وفي الأخبار الرياضية، لم يذكُر مقال صيني أنّ تونس أصرّت على اختيار الحكم جاني سيكازوي في مباراة تونس ومالي الأخيرة. ولم يُعاقِب الاتحاد الأفريقي لكرة القدم سيكازوي بثلاث سنوات. أما في مجال الفضاء، فلم تكن تونس أوّل بلد عربي وأفريقي يُطلق قمرًا صناعيًّا، إذ تُعدّ مصر أوّل دولة عربيًّا وأفريقيًّا دخلت هذا المجال من باب الاتصالات.
