شؤون وطنية

زهير المغزاوي: حركة الشعب لن تشارك في الاجتماع والغنوشي لم يقتنع بأن زمنه انتهى.

يسوّق راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والبرلمان التونسي المعلقة أشغاله لفكرة أن الحركة مازالت طرفا سياسيا مهمّا في المشهد، خصوصا بعد أن أسقطت قرارات الرئيس قيس سعيد المنظومة التي كانت تقودها في يوليو الماضي، وتناور الحركة الإسلامية بالبيانات والتصعيد أملا في التموقع من جديد، رغم تمسك الرئيس بقراراته ورفض الشارع لسياساتها التي فاقمت أزمات التونسيين.

تونس - لم تستوعب حركة النهضة، واجهة الإسلاميين في تونس، حدّ اللحظة خروجها من المشهد السياسي بالبلاد، وبعد سعيها لزيادة حدّة التوتر مع الرئيس قيس سعيّد، تناور الآن بعودة نشاط البرلمان المعلقة أعماله، في خطوة يرى مراقبون أنها ترمي لمغازلة النواب وتوسيع دائرة المعارضين للرئيس.

وأفادت النائب المستقل بالبرلمان المعلقة أعماله في تونس شيراز الشابي أن "حركة النهضة هي سبب الفشل في التجربة الديمقراطية منذ سنة 2011، لأنها اخترقت حزب حركة نداء تونس وفككته سياسيا، ثم استهدفت قلب تونس بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019".

وأضافت الشابي (كانت تنتمي إلى قلب تونس)، أن “النهضة سيطرت على مفاصل القضاء وتشبثت بالتعديل الوزاري في حكومة هشام المشيشي، وهي الآن تعتمد التمشي ذاته في صراعها مع الرئيس سعيّد”.

وقالت “أنا ضد المرور بقوة ولن أشارك في هذه الجلسة، خصوصا وأن هناك رفضا شعبيا لرئيس البرلمان راشد الغنوشي”، مؤكّدة أن “النهضة تعرف جيدا أن سعيّد لن يتراجع عن قراراته”.

ويأتي ذلك بعد أن دعا الغنوشي أعضاء البرلمان إلى إحياء الذكرى الثامنة لختم دستور البلاد.

وقال الغنوشي في رسالة نصية أرسلت للنواب إن “الاحتفاء بالذكرى سيكون من خلال رابط افتراضي الخميس السابع والعشرين من جانفي الجاري، الساعة العاشرة صباحا”.

وتم تعليق أشغال مجلس النواب منذ الخامس والعشرين من جويلية، ليتم لاحقا عبر أمر رئاسي إلغاء منح النواب وامتيازاتهم.

وبمقتضى المرسوم 117، تم كذلك “تعليق” غير مباشر لدستور 2014 الذي لم يعد الرئيس التونسي يعترف به، والذي أكد في أكثر من مرة أنه يعتزم تنقيحه.

ويبدو أن الحركة الإسلامية لم تستوعب الرفض الشعبي المتصاعد لها، خصوصا بعد قرارات الرئيس التونسي في الخامس والعشرين من جويلية الماضي، التي عجّلت بتعليق نشاط البرلمان وإقالة حكومة المشيشي التي كانت تقود حزامها السياسي.

وتعتبر شخصيات سياسية أن الحركة تعيش حالة من العزلة السياسية بعد تخبّطها في مشاكل داخلية عجّلت باستقالات “مدوية” لعدد من القيادات، فضلا عن تسببها في تأزيم الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد على امتداد أكثر من عشر سنوات في السلطة.

وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي الثلاثاء إن “الحركة لن تشارك في الاجتماع الذي دعا إليه الغنوشي”، مؤكدا أنه تلقى على غرار كافة نواب الشعب إرسالية قصيرة من طرف الغنوشي دعاهم فيها لاجتماع افتراضي احتفاء بالذكرى الثامنة لختم دستور 2014.

وأضاف المغزاوي في تصريح لإذاعة محلية أن الغنوشي، المتسبب في كل الأزمات التي تعرفها تونس حاليا، حسب تقديره، غير مقتنع بأن زمنه انتهى وأنه لم يعد رئيسا للبرلمان، لافتا إلى أن “هذه الدعوة هي محاولة بائسة من الغنوشي ليقول للعالم قبل التونسيين إنه مازال رئيسا للبرلمان ويسوق أن البرلمان مازال قائما”.

ويرى مراقبون أن النهضة تريد أن تسوق صورة للبرلمان خارجيا على كونه رمزا للممارسة الديمقراطية، وتناست كل مظاهر العنف السياسي والصراعات تحت “قبة باردو”، ما أفرز مشهدا سياسيا منقسما أهمل المشاغل الحقيقية للتونسيين.

وقال المحلل السياسي رافع الطبيب، “شخصيا أعتبر أن هناك خطورة في تحركات النهضة، لأن الغنوشي لم يعد يتوجّه بأي بلاغ أو تكتيك سياسي للشارع التونسي، بل يفكّر في التعويل على الخارج”.

وأضاف “هو فقط يلعب على وتر سياسي حساس لدى الغرب، وهو أن الحياة الديمقراطية تقترن بضرورة نشاط البرلمان، ولكن القوى الأجنبية لا تعرف الخفايا السياسية للبلاد، وبالتالي هو يرسل رسالة إلى الأطراف الدولية للعودة للحياة البرلمانية حتى يجد موقعا له في الخارج”.

وتابع الطبيب “الغنوشي يعرف أنه لن يعود انطلاقا من المعادلات السياسية، بل إلا عبر التدخل الخارجي على السياسة الداخلية في تونس، ومنذ الخامس والعشرين من جويلية هناك تغييرات عميقة في الجسم السياسي، والظاهرة الحزبية انتهت وخصوصا التيارات الإسلامية ومن تحالف معها، أصبحت مكروهة في الشارع التونسي”.

واستطرد “هناك أكثر من 88 في المئة يعتبرون أن الغنوشي أكثر شخصية مكروهة في تونس”.

وانتقدت أطراف سياسية بعد استقالتها من الحركة الإسلامية توجهات النهضة داخليا وفشلها في احتواء الأزمات منذ 2011، ورأت أنها لم تكرّس الممارسة الديمقراطية وقيم التشاور والتشاركية في الحزب.

وقالت رباب بن لطيف القيادية السابقة بالحركة إن “النهضة لا تؤمن إلى حد الآن بالتجديد، وهي الآن في عزلة ولم تستوعب اللحظة ولم تقم بمراجعات، وهذا ما زاد في انزوائها السياسي”.

وأضافت “القيادة الفردية في الحركة تفاقم الصعوبات، والحركة كانت جزءا من الفشل في السنوات العشر الماضية”.

والأسبوع الماضي أكّد القيادي المستقيل من النهضة عماد الحمامي أنّ “الحركة انتهت وأنّ الإسلام السياسي انتهى تماما في تونس”، مشددا على أنّ “المعارضة الحالية ضعيفة والرئيس سعيّد انتصر عليها في مسائل قيمية”.

وأضاف في تصريح صحافي أنّ “النهضة لم تسـتفق قبل الخامس والعشرين من جويلية وكان يمكن أن تأتي لحظة الوعـي بعد ذلك وحاولت بعض القيادات قراءة رسالة ذلك التاريخ، لكن رئيس الحركة الغنوشي منع ذلك وهذا ما دفعهم إلى الاستقالة”.

وساهمت الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيّد في تحجيم نفوذ النهضة حيث جمّد البرلمان الذي كانت تفرض سطوتها عليه، وأقال الحكومة برئاسة المشيشي الذي كان حليفا للحركة الإسلامية، فيما رفع الحصانة عن النواب البرلمانيين وذلك تطبيقا للفصل 80 من الدستور التونسي.

وبعد قرارات الرئيس سعيد، كرست حركة النهضة ثقافة الاستقواء بالأجنبي لفرض أجنداتها، وذلك من خلال الترويج لسردية المظلومية التي تميز تيارات الإسلام السياسي عن غيرها.

ولا تُخفي الحركة التي أمسكت بزمام الأمور في تونس بعد ثورة الرابع عشر من جانفي 2011 رغبتها في حدوث نوع من الضغط الخارجي الذي يوقف الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من جويلية 2021.

خالد هدوي
صحافي تونسي