لقاء الرئيس قيس سعيد بالسفير الأميركي مثل فرصة لتوضيح جملة من المواضيع ورفع الالتباسات التي يشيعها أعداء الديمقراطية.
عبرت السلطات التونسية عن استيائها من تداول أعضاء من الكونغرس الأميركي في الشأن التونسي، معتبرة إياه تدخّلا سافرا في الشأن الوطني الداخلي ومسّا من السيادة الوطنية من دولة أجنبية، رغم العلاقات الثنائية المتينة بين البلدين.
تونس- أثار تداول الكونغرس الأميركي في الشأن التونسي جدلا واسعا لدى الأوساط السياسية التونسية، حيث اعتبره البعض مسّا من السيادة الوطنية وتدخلا في الشأن الداخلي، ما دفع الرئيس قيس سعيد لاستدعاء السفير الأميركي للتعبير عن استيائه من إدراج تونس في جدول أعمال الكونغرس.
وأعرب الرئيس التونسي قيس سعيّد في لقائه بالسفير الأميركي عن استياء الدولة التونسية من إدراج أوضاع الداخلية لتونس في جدول أعمال الكونغرس، وفق بيان للرئاسة التونسية.
وأشار الرئيس التونسي إلى أن العلاقات بين البلدين ستبقى قوية “بالرغم من أن عددا من التونسيين يحاولون تشويه ما يحصل في تونس ويجدون من يصغي إليهم في الخارج”.
ومثّل اللقاء فرصة “لتوضيح جملة من المواضيع ورفع الالتباسات التي يشيعها أعداء الديمقراطية”، وفق البيان الرئاسي.
وترى شخصيات سياسية، أن المستقبل السياسي للبلاد غير واضح، ومن حقّها أن تعبر عن استيائها مما حدث، معربة عن العلاقات الثنائية المتينة بين الطرفين.
واعتبر السياسي حاتم المليكي، أنها “سابقة في التاريخ أن تتم مناقشة وضعية دولة في برلمان دولة أخرى”، قائلا “تونس تمر بمرحلة صعبة ومن حقها أن تعبّر عن استيائها، ولا بد من تفهم الأوضاع الداخلية الصعبة”.
وأضاف “الأفق السياسي للبلاد غير واضح، ولا بد من بذل جهد دبلوماسي أكبر لإقناع شركائنا، وهذه الامور يمكن أن تناقش مع السفراء ومن يمثّلون الدول الأجنبية في تونس”.
وتابع “الولايات المتحدة شريك كبير لتونس ومحور استراتيجي، وقدمت دعمها للبلاد″، لافتا “علينا أن ننكب الآن على المشاكل الداخلية، ولا خوف على السيادة الوطنية ما دام هناك استقرار سياسي، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
وكان النائب الديمقراطي الأميركي تيد دويتش قال إن “الديمقراطية التونسية في خطر” بعد شروع الرئيس سعيد في فرض سلطات تنفيذية، مع استمرار تعليق عمل البرلمان.
وجاء تصريح دويتش خلال جلسة افتراضية للجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس النواب الأميركي، لبحث التطورات في تونس.
وقال الناشط السياسي طارق الكحلاوي إن “العلاقات الدولية قائمة على موازين القوى، والولايات المتحدة تعتبر تونس من المحور الغربي، وتعتبر المجال التونسي جزءا من مخططاتها الاستراتيجية، وتريد أن تكون تونس أنموذج تبرزه للمنطقة”.
وأضاف “هناك نقاش ووجهات نظر مختلفة لتسليط أكثر ضغط على تونس للرجوع إلى ما قبل الخامس والعشرين من يوليو الماضي، ولكن الإدارة الأميركية تتوجه إلى عدم اعتبار ما جرى في تونس انقلابا”.
وتابع الكحلاوي “تعبير الرئيس سعيد عن استيائه للسفير الأميركي، يعني أن الرئيس يتمتع بثقة في النفس، وهناك نوع من التوتر في العلاقات التونسية – الأميركية، وسيكون له أثر في المستقبل”.
وعبّرت أحزاب تونسية عن رفضها لما حدث، واصفة إياه بالتدخل السافر في الشأن الداخلي، ومسّا من السيادة الوطنية.
واعتبر حزب التحالف من أجل تونس أن “تداول الكونغرس الأميركي في الشأن التونسي، يعد تدخّلا سافرا في الشأن الوطني الداخلي ومسّا من السيادة الوطنية من دولة أجنبية”.
ولاحظ الحزب في بيان له الخميس، أنه “يُفترض أن تحكم علاقاتنا بهذه الدولة، المصالح المتبادلة والإرث التاريخي في علاقات الصداقة بين البلدين واحترام القوانين الدولية وفق ما نصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة ولا شيء غير ذلك”.
وشجب التحالف من أجل تونس بشدّة هذا السلوك المرفوض من الكونغرس، والذي قال إنه “يأتي نتيجة لاستجداءات مغرضة ولاوطنية من شخصيات وأطراف اتخذت العمالة والارتباط بالأجنبي منهجا للممارسة السياسية”، مثمنا ما جاء في خطاب الرئيس سعيد، في افتتاح مجلس الوزراء وما عبّر عنه من مواقف صلبة وثابته لإعلاء سيادة الدولة التونسية وقرارها دون تدخل من أي طرف خارجي، وما عبّر عنه من مواقف تجاه الخونة والمفسدين.
وقال سعيّد لدى إشرافه على أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة الجديدة، إن “القضية تونسية داخلية وهناك من يريد تدويلها”، متسائلا “ماذا يعني أن توضع تونس على جدول أعمال برلمانات أجنبية؟ نحن نتعاون ولكن مع احترام السيادة وإرادة الشعب”.
وعزا مراقبون تطرّق الولايات المتحدة للشأن التونسي، بالاهتمام الأميركي المتواصل بالتجربة التونسية منذ 2011، ومتابعة التطورات السياسية الحاصلة بالبلاد، فضلا عن كونها داعما رئيسيا للاقتصاد التونسي.
وقال وزير المالية الأسبق سليم بسباس الخميس إن “الولايات المتحدة مهتمة بتونس منذ بداية الثورة وقدمت لها هبات وكانت قد خصصت ميزانيات لدعم اقتصادها وهي مهتمة بالشأن التونسي وهو ما أعتبره إيجابيا”.
وأوضح بسباس في تصريح لإذاعة محلية ”في إطار سياستها الداخلية فإن الولايات المتحدة تطلع على وضعية تونس هل أنها تتناغم مع سياستها أم لا”، مضيفا “من حقهم أن تكون لديهم سياسة أميركية في تونس، كما من حق تونس أن تكون لها سياسة خارجية في أميركا”، قائلا إنّ “السنة الحالية تعتبر سنة استثنائية نظرا للتجميد الحكومي ولعدم مناقشة قانون المالية في مجلس نواب الشعب والاستماع إلى أرقام رسمية”.
ويواجه الاقتصاد التونسي صعوبات كبيرة، حيث خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني الخميس التصنيف السيادي لتونس من(B3) إلى (Caa1)، مع نظرة مستقبلية سلبية.
أحزاب تونسية عبّرت عن رفضها لما حدث، واصفة إياه بالتدخل السافر في الشأن الداخلي، ومسّا من السيادة الوطنية
وقالت “موديز” في تقرير لها إن “تخفيض التصنيف يعكس ضعف الحوكمة وزيادة عدم اليقين في ما يتعلق بقدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان الوصول المتجدد إلى التمويل لتلبية الاحتياجات المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة”.
وهذه عاشر مرة يتم فيها خفض التصنيف السيادي لتونس من قبل وكالات التصنيف العالمية منذ عام 2011. وحذرت “موديز” من تخلف تونس عن سداد ديونها “إذا لم يتم تأمين تمويل كبير”.
وأوضحت الوكالة أن النظرة المستقبلية السلبية لوضع تونس الائتماني “تعكس مخاطر الهبوط المتعلقة بالتأخيرات المطولة المحتملة في الإصلاحات والتمويل المعتمد على الإصلاح، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تآكل احتياطيات العملات الأجنبية”.
خالد هدوي
صحافي تونسي
