في مفاجأة للجميع، قام رئيس الجمهورية قيس سعيّد مساء اليوم بزيارة غير معلنة إلى جامع القصبة الشهير في العاصمة، والذي بقي مغلقاً على مدى السنوات الثلاثة عشرة الماضية، وما أكثر مفاجآت هذه الزيارة هو أن الرئيس شخصيا عاين حالة الإهمال والتدهور الذي طال هذا المعلم الديني العريق.
جامع القصبة ليس مجرد مسجد، بل هو بيت من بيوت الله الذي أمر الله سبحانه وتعالى بأن يُرفع فيه اسمه، إنه أحد المعالم الإسلامية الرائعة في تونس، وقد تم بناؤه في القرن الثالث عشر على يد مؤسس الدولة الحفصية أبو زكرياء الحفصي، وقد استغرق بناءه فقط ثلاث سنوات، لكن الأمر مدهش حقا أنه لم يتم الاهتمام به وترميمه على مدى عقد من الزمن.
عندما عاين رئيس الجمهورية حالة الإهمال التي يعاني منها جامع القصبة، لم يكن بإمكانه إخفاء استيائه، إنه لأمر محزن أن يتعرض هذا المسجد الجامع الذي يحمل قيما وتاريخا عظيما لمثل هذا الإهمال المروع، فهي ليست مجرد قضية ترميم مبنى، بل هي قضية تتعلق بالحفاظ على تراثنا الثقافي والديني.
وقد أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد تعليماته بترميم جامع القصبة فورا، وهذا يعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، اذ يتعين علينا أن ندرك أن التراث الثقافي لا يمثل مجرد مبانٍ وتماثيل، بل يمثل هوية وروح الأمة، إن ترك الآثار العريقة تتعرض للتلف يعني فقدان جزء من ذاكرتنا وهويتنا.
وعلينا أن نتعلم من هذه الزيارة الهامة، فيجب أن نبذل جهودا أكبر للحفاظ على تراثنا الثقافي والديني، وأن نوليه الاهتمام الذي يستحقه، اذ إن ترميم جامع القصبة ليس مجرد عملية إعادة بناء، بل هو إشارة قوية إلى أننا نقدر تاريخنا وثقافتنا ونحن عازمون على الحفاظ عليها.
يجب أن تكون هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة في العناية بالتراث الثقافي في تونس، و ينبغي علينا أن نضع استراتيجيات فعالة للحفاظ على المعالم التاريخية والثقافية، وتوفير التمويل اللازم للترميم والصيانة المنتظمة، كما يجب أن نعمل على توعية عام الشعب وتشجيعه على المساهمة في هذا الجهد، فالتراث الثقافي ملك للجميع ويجب أن يشعروا بالمسؤولية تجاهه.
علاوة على ذلك، ينبغي للسلطات المعنية أن تضع خططا لتنمية المواهب الشابة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي، هذا ويجب تشجيع الشباب على دراسة التاريخ والتراث وتزويدهم بالمهارات والموارد اللازمة للمساهمة في عمليات الترميم والمحافظة.
إن حماية التراث الثقافي هو واجبنا جميعا، وهو جزء لا يتجزأ من بناء مجتمع قوي ومستدام، ومن خلال الحفاظ على معالمنا التاريخية، نحافظ على هويتنا ونعزز الفخر والانتماء لدى المواطنين.
في النهاية، يجب أن تكون زيارة رئيس الجمهورية إلى جامع القصبة بداية لتوعية شاملة وحركة جادة للحفاظ على تراثنا الثقافي، وعلينا أن نتحرك بسرعة وتصميم لإصلاح وإعادة بناء المعالم التاريخية المهمة، وأن نعمل معا كمجتمع واحد لضمان أن تظل تونس مزدهرة بتراثها الثقافي الغني والمتنوع.
