أطلقت مجموعة من الجمعيات والمنظمات المدنية ممثّلة خاصة في منظمة البوصلة وانترناشونال ألرت والمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية وجمعية الخط – إنكفاضة ومنظمة الأطباء الشبان ومنظمة اوكسفام صيحة فزع حول الوضع الاقتصادي الراهن ومن خلال حملة تحت عنوان"الكورونا تقتل والتقشف يقتل أكثر" حيث أكّدوا في بيان مشترك أنه في ظل التطورات الخطيرة التي يشهدها الوضع الوبائي في تونس إذ تطلق هذه المنظمات هذه الحملة فانتصارا منها لسياسات عمومية تضمن الحق في الولوج للصحة لكل المواطنات والمواطنين دفاعا عن حق لطالما طالب به الحراك الاجتماعي وكرسه دستور 2014 ونصت عليه المواثيق الدولية على غرار الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كما أكّدوا أنه لئن ابرزت الموجة الأولى من انتشار فيروس كوفيد 19 الأهمية الاستراتيجية للقطاع العمومي بصفة عامة وقطاع الصحة بوجه خاص وابرزت التدهور الكارثي الذي يشهده هذا القطاع منذ ثلاث عقود نتيجة للخيارات التقشفية اللااجتماعية المنتهجة من قبل الحكومات المتعاقبة، فان مشروعي قانون المالية التكميلي لسنة 2020 ومشروع قانون المالية لسنة 2021 المعروضين على مجلس نواب الشعب قد كشفا عن نية السلط العمومية في المضي في نفس السياسات بتعميق نهج التقشف.
أشار مطلقو هذه الحملة أنه قرابة عشر سنوات بعد الثورة لازالت القطاعات الاجتماعية الحيوية وعلى راسها قطاع الصحة خاضعة في تونس إلى منطق السوق الربحي و تعاني من تراجع دور الدولة نتيجة التدني الفادح للاستثمار العمومي فيها. فميزانية وزارة الصحة التي لم تكن تتجاوز 6,6% من الميزانية العامة للدولة سنة 2011 انحدرت إلى 5% سنة 2019. وهو ما يعني ان الاستثمار العمومي في تونس لا يغطي إلا 57% من الكلفة الجملية لخدمات الصحة (المعدل العالمي 74% )وقد انعكست هذه الخيارات سلباً على القطاع الصحي من حيث النقص الفادح في الموارد البشرية وتردي ظروف عمل الطواقم الطبية وشبه الطبية والنقص الكبير في التجهيزات وتعميق الفوارق الاجتماعية والجهوية في الحق في الولوج الى الصحة وأضافوا انه في مواجهتها للموجة الأولى من انتشار فيروس كوفيد-19 اكتفت الدولة التونسية بجمع بعض التبرعات عبر صندوق 1818 وواصلت في نفس السياسات الجبائية الغير عادلة والمضحّية بموارد ضرورية للمجموعة الوطنية ووقع اللجوء لعقود عمل هشة من أجل انتداب أطباء شبان دون اسداء اجورهم ولم يتم الاستثمار الفوري في التجهيزات الطبية الضرورية من اسرة انعاش ومخابر وتحاليل مما جعل البلاد عاجزة عن مواجهة الموجة الثانية وبات يعرّض حياة الاف التونسيات والتونسيين للخطر واليوم ومع تفشي العدوى تتصدر تونس الترتيب العالمي في نسق تطور عدد الإصابات بفيروس كوفيد-19 بنسبة 13،7% كما ظهر ذلك منذ الأسبوع الاخير من شهر سبتمبر كما تتقاسم مع المكسيك والباراغواي نفس المرتبة ضمن الدول ذات أعلى نسبة تحاليل ايجابية من ضمن مجموع التحاليل وذلك بنسبة أكثر من 20%. ومع ذلك تبدو الدولة التونسية عاجزة عن توفير أكثر من 0,2 تحليل لكل 1000 ساكن وهي من أكثر النسب انخفاضا على المستوى العالمي في مخالفة واضحة لتوصيات المنظمة العالمية للصحة التي تحث على تكثيف اجراء التحاليل. كما أصبحت المرافق الصحية العمومية غير قادرة على احتواء الاعداد المتزايدة للمرضى او للمحتاجين لإجراء التحاليل، وقد أدى ذلك الى احتقان اجتماعي في صفوف الاطار الطبي وشبه الطبي الذي شهد احتجاجات في الصائفة المنقضية كما وجد المواطنات والمواطنون انفسهم في مواجهة الجائحة فريسة لمنطق السوق ومضاربات القطاع الخاص وصار حقهم في الصحة مهددا اكثر من أي وقت مضى.