المخاوف من توسع شعبية مشروع تونس مقابل فشل الإخوان في فك عزلتهم دفعت رئيس النهضة لاستمالة سياسيين يقاسمونه خياراته ومرجعياته.
تظهر قراءات في المشهد السياسي التونسي أن هناك "حربا" بين محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة على "استقطاب أكثر ما يمكن من الشخصيات السياسية"، وهي حرب تستبطن "حربا أعمق بين "الشيخ" ومرزوق الذي يسعى إلى بناء جبهة جمهورية.
وفيما يقود مرزوق جهود سياسية قوية لتعزيز مشروع تونس بروافد جديدة تتكون أساسا من شخصيات سياسية معادية للنهضة وفي مقدمتهم رجال بن علي، اضطر الغنوشي إلى استقطاب نهضويين سابقين مما يعرف في تونس بـ"اليسار الإسلامي" الذي مازال يدور في فلك الإسلام السياسي.
ويبدو أن كل من مشروع تونس والنهضة العدوين اللدودين اغتنما فرصة غرق نداء تونس في أزمته وإنطوائية الجبهة الشعبية اليسارية الراديكالية، ليقودا انفتاحا على الخارطة السياسية المتعددة فكريا وسياسيا، ولكن كل حسب مرجعياته وخياراته.
كما اغتنما الحزبان فشل القوى السياسية الأخرى في استقطاب قطاعات واسعة من فئات المجتمع وفي مقدمتهم جزء من الطبقة السياسية والشباب المهمش والمرأة لتعزيز تموقعهما تمهيدا للاستحقاقات القادمة وعلى رأسها الانتخابات البلدية التي ينتظر أن تركز في تونس لأول مرة مقومات الحكم المحلي.
وقال منجي عبدالرحمان الناشط في حركة مشروع تونس إن "محسن مرزوق يقود منذ أشهر جهودا سياسية ولقاءات ومشاورات مع عدد من الشخصيات السياسية العلمانية المعادية للإسلاميين وفي مقدمتهم رجال بن علي، باعتبارهم رجال دولة أكفاء تم تهميشهم تحت عنوانين لا تقنع أحدا".
وأضاف عبدالرحمان في تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" أن "مشروع تونس يراهن على توسيع كوادره وقواعده من خلال الانفتاح أكثر ما يمكن لا فقط على المشهد السياسي وإنما أيضا على الفئات المهمشة اجتماعيا وسياسيا مثل الشباب والمرأة والمثقفين".
وتمكن مرزوق، كما يذهب إلى ذلك الكثير من المحللين السياسيين، إلى كسب تأييد عدد من أبرز رجال بن علي حيث انضم لمشروع تونس كل من الصادق شعبان الذي يوصف بـ"منظر النظام السابق" وصلاح الدين معاوي المستشار السياسي السابق ورافع دخيل وزير الاتصال السابق".
ووفق تسريبات يتوقع أن يلتحق بحزب مرزوق خلال الفترة القادمة عدد آخر من رجال الدولة السابقين مثل منذر الزنايدي آخر وزير للصحة في نظام بن علي والمترشح للانتخابات الرئاسية الماضية.
وتوقعت ريم صيود المحللة السياسية أن "تتوسع الروافد السياسية لحركة مشروع تونس نظرا لخيار الانفتاح على القوى العلمانية وعلى فئات المجتمع"، مشددة على أن "مرزوق عازم على بناء حركة سياسية واسعة قادرة على مواجهة الإسلاميين لا حزبا منطويا على نفسه".
وقالت صيود لـ"ميدل إيست أونلاين" إن "مرزوق الذي يحظى بتقدير من قبل قيادات الحزب يرى أن حكام تونس الجدد حرموا تونس من الاستفادة من رجال دولة سابقين ذوي كفاءة وخبرة في إدارة مؤسسات الدولة تحتاجهم تونس خاصة خلال هذه المرحلة الحرجة متعللين بأنهم جزء من النظام السابق".
وكان مرزوق أعلن في أكثر من مناسبة أن مشروع تونس الذي تأسس لمواجهة الإسلام السياسي "يرحب بانضمام رجال بن علي إلى حزبه وأنه سيكون سعيدا بالتحاقهم به". كما تعهد بان يفتح مشروع تونس أمام القوى العلمانية والشخصيات السياسية التي يتقاسم معها نفس الخيارات".
والخميس، قال مصطفى بن أحمد النائب بالبرلمان عن مشروع تونس إن ما يطرحه الحزب اليوم هو بناء "جبهة جمهورية"، مشددا على أنه "يجب إيجاد إطار جديد يقوم على تجاوز العديد من الأخطاء التي حصلت في الأحزاب المدنية الأخرى"، في إشارة إلى رفض تحالف النداء والنهضة.
ورأت صيود أن "مرزوق أصبح منافسا شرسا لحكام تونس الجدد وخاصة للإسلام السياسي وفي مقدمتهم راشد الغنوشي، وأن إشعاعه السياسي ما انفك يتزايد وهو ما تؤكده أكثر من عملية سبر للآراء حيث أصبح واحدا من أبرز السياسيين الذين يرى فيه التونسيون أنهم قادرين على قيادة البلاد".
ويبدو أن راشد الغنوشي الذي يدير نهضة محتقنة ومنطوية تحسس خطورة الانفتاح السياسي الذي يقوده مرزوق باتجاه العلمانيين وقطاعات واسعة من المجتمع حيث أعلن مؤخرا عن انضمام عدد من الشخصيات السياسية النهضوية السابقة المحسوبة على ما يعرف بـ"اليسار الإسلامي" إلى النهضة وفي مقدمتهم محمد القوماني وحياة العمري ونوفل الجمالي.
غير أن ما يحاول الغنوشي الترويج إليه على أنه يقود انفتاحا في إطار نهضة سياسية جديدة لم ير فيه المحللون السياسيون سوى "عودة جزء من الإسلاميين كانوا اختلفوا عن الحركة ومازالوا يدورن في فلكها".
وقالت صيود لـ"ميدل أيست أونلاين" إن مخاوف الغنوشي من توسع شعبية مشروع تونس من جهة وفشل النهضة في كسر عزلتها السياسية والاجتماعية وعجزها عن استقطاب قطاعات واسعة من المجتمع، دفعت الغنوشي إلى استمالة سياسيين يقاسمونه خياراته ومرجعياته".
وشددت صيود على أن "تمويه الغنوشي بالانفتاح وبالاستقطاب لن يغير من واقع النهضة في شيء خاصة وأن استمالة شخصيات من خارج الحركة يقابلها رفض من قبل قيادات غاضبة على الشيخ، ترى أنه كان الأحرى به أن يعيد القيادات والكوادر والقواعد التي شقت عصا الطاعة".
ويجاهر محسن مرزوق الذي أسس مشروع تونس لمواجهة الإسلام السياسي بأن الأحزاب السياسية فشلت في كسب التأييد الشعبي وفي ثقة التونسيين، لأنها اختارت أن تكون ذات طابع انتخابي وعجزت على أن تتحول إلى حركات سياسية وبناء مؤسسات تنظيمية تنشط في إطار الممارسة الديمقراطية".
وشدد منجي عبدالرحمان الناشط في حركة مشروع تونس على أنه "إذا كان الغنوشي يتصور بأنه يقود حربا ضد مشروع تونس عليه أن يدرك أنه خاسرها مسبقا، باعتبار ان المشروع حركة تسعى إلى بناء جبهة جمهورية تؤمن بهيبة مؤسسات الدولة المدنية على خلاف النهضة مهما كانت عمليات الترويج المظللة والمموهة".
وقال عبدالرحمان لـ"ميدل إيست أونلاين" إنه "لا يمكن مقارنة خيار الانفتاح الجدي والصادق الذي يقوده مرزوق على القوى العلمانية بما فيها رجال بن علي، وبين توجه الغنوشي إلى استمالة نهضويين سابقين"، ملاحظا أنه "كان حري برئيس النهضة أن ينهي الحرب عليه داخل التنظيم ويطفئ حرائقه".