في الحديث عن علاقة الإعلام بتأليف السياسات العمومية، فإن أول ما يطرحه في تحقيق هذا الهدف هو تجميع المعلومات بطريقة لا تخلو من تحفظ، بحيث يبقى المطلوب هو التحوُّط في إستعمال الشبكة العنكبوتية في بناء وعي قيمي جديد يقوم على الإنفتاح في إطار تتبع الأحداث ومسايرة الوقائع.
هنا تظهر قوة تأثير الإعلام في نشر الوعي سواء الفكري أو نظيره الثقافي وكذا الإنفتاح على المحيط الإجتماعي. لكن عوامل سلبية تنزع عن هذا الإعلام صفة التجانس رغم قوة الإنتشار، ليس أقلها غياب المراقبة وهشاشة التأطير لدى فئات عريضة من متتبعي هذا الإعلام، خاصة إذا علمنا دور هذا الإعلام في صناعة الرأي العام، مما يجعل هؤلاء المتتبعين قابلين للتأثر به رغم إنكشاف غثه وسمينه في توجه يرمي إلى زعزعة البنية القيْميَّة للفرد والمجتمع على السواء. وبالتالي يبقى السؤال مطروحا حول أدوات مواجهة مثل هذا التأثير.
خطورة هذا الإعلام تكمن في طريقة تعامله مع الأحداث عن كثب خاصة بعدما أضحت ‘‘الصورة’’ أحد أبعاده الرئيسية في صناعة الحدث مع السرعة التي تتطلبها مواكبة الأحداث في إطار الثورة المعلوماتية التي تعكسها وسائل الإعلام الحديثة على إختلاف أنواعها من تلفزيون وراديو وحواسيب وهواتف ذكية بعدما إنخرطت جميعها في الشبكة العنكبوتية.
لكن كيف يمكن للصحافي سواء الورقي أو الرقمي أن يكون فاعلا في صناعة الأحداث حتى السياسية منها، في واقع متغير سواء في بنيته الإجتماعية أو نظيرتها السياسية التي تزعزعت قوالبها في عدد من الجوانب المرتبطة بالهوية المحلية خاصة إذا ما تحدثنا عن النمط ‘‘القَبَلِي’’ المتحكم الرئيس في صناعة القرار السياسي في نطاق جغرافي يغلب عليه طابع البداوة.
في دراسة سابقة قلنا أن عناصر رئيسية يمكن أن تتشكل منها أنماط العيش في القبيلة وكذلك المرتبطة بالإنتاج. لكن لن تكون لدينا صورة أقرب للحقيقة في بنية التنظيم الإجتماعي في إستخلاص هذه العناصر في مصفوفة البناء التقليدي المغربي ‘‘القَبَلِي’’ منه على سبيل التحديد. إلا إذا كان ‘‘الإقطاع’’ أحد عناصرها الرئيسية في الخلفية المادية كإحدى آليات التفكيك والتحليل. نقول هذا الكلام حتى يكون الصحافي على بيّنة مما يكتبه عندما يتناول في مادته الصحفية واقعا سياسيا أو إجتماعيا يدبجه في مقالاته بالدرس والتحليل.
التمكن هنا ليس رهين كتاب واحد بل نظرة إجمالية لتقريب الصورة أكثر. ونستحضر هنا الأطروحة التي أعدها الدكتور ‘‘محمد البردوزي’’ حول السوسيولوجي الفرنسي ‘‘روبير مونطانيي’’ في تناوله للمجتمع المغربي بالدراسة والتحليل، وفي ذات المنحى الدراسة السوسيولوجية التي نشرها الدكتور إدريس بن علي بمجلة جسور حول البنية الإقتصادية للمغرب قبل الحماية. كل ذلك من أجل تشكيل نظرة شاملة حول المجتمع القَبَلِي المغربي، والتمكن بموازاة ذلك من تشكيل صورة حول ماضي هذا المجتمع وتنظيمه الثقافي.
لكن كيف تنعكس هذه البنى الإجتماعية في الصحافة بإنتماءاتها سواء الحزبية والرسمية والمستقلة، وكذا أنواعها سواء الورقية أو الإلكترونية أو المرئية وحتى المسموعة منها في إطار مواكبة هذه التحولات وتأثيرها على النسيج الإجتماعي والثقافي في مسارات التاريخ الملتبسة وتعرجاتها العصية على الضبط المفاهيمي في استقراء التاريخ عند الصحافي الناقل للأحداث في قالب خبري يبتعد في عمقه عن التحليل والإستقصاء وتفكيك الترميز في سياق تحوُّز السلطة وصناعة القرار السياسي لمن يتملكونها أو يسعون إليها.
هذا المعطى، يطرح التمكن في حد أدنى من المعارف التي تنتجها العلوم الإجتماعية، فهو شرط لابد منه حتى لا ننتج مغالطات أو إيهامات تبعدنا عن المشكل الحقيقي، وكذلك التمكن من البناء المؤسساتي للدولة الذي تحدده الوثيقة الدستورية، وكذلك المجالس العليا.
هو قوس مفيد من حيث التعرف على المؤسسات الرسمية المُحدثة وفقا للدستور كوثيقة تحدد المؤسسات التي تنتمي للحقل السياسي وفاعليه الأساسيين، حتى لا يحدث خلط في هذه الأمور عند كتابة المقال الصُّحفي، مضافا إليها منهجية رصد السياسات العمومية والمشاريع الكبرى، وكذلك الجهات التي تقررها في الزمن والكيْف ومنهجية العمل ومضمون الإنجاز والنتائج المُستخلصة منها، والآثار المترتبة عنها، خاصة إذا علمنا أن المؤسسات المنتخبة ليست وظيفتها تنفيذ أشياء موجودة، بل الحفاظ على إستمرار الدولة. هذا النسق يكشف مدى الترابط الموجود بين المشهد السياسي والعمل الصُّحفي الذي يرتبط باليومي وبالحياة السياسية، فالآني يشكل مادة للخبر، ثم موضوعات للتحليل والإستقصاء في مناسبات مفيدة، من خلال التعرف على المؤسسات وتوصيف أدوارها وحضورها في السياسة، ليس أقلها تلك المؤسسات العمومية الناشئة من ظهائر، وباقي فروعها التي تقوم بدور صناعة السياسة، بالعمل على تفكيك أسباب نزول هذه المؤسسات ودواعي إنشائها وتحديد مهامها الرئيسية.