يحدثنا ابن خلدون عن بطانة الحاكم فيقول: “حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة ،تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب ..”ابن خلدون ”.
هذه الفقرة تستحق الاثراء و المراجعة الفكرية والبحث اكثر في اسباب نشوء بطانة السوء وقد دفعت شعوب البلاد العربية ثمن هذه الزمرة الفاسدة وقد نال الحكام و معظم من شارك في حكمها ثمن استنادهم على بطانة السوء في ما يعرف فكانت النتيجة والمحصلة تقويض الحكم القائم بالانتفاضات شعبية او انقلابات عسكرية لكن هذا لم يغيير من طبيعة الحكام.
ان الاستدلال باخبار امم سابقة المراد منه الاخذ الدروس والعبر في قاعدة ثابتة يبين لنا فيها احول الحكم ومايدور في فلك الحاكم واسباب الفشل والنجاح طرق التسيير بين حاكم واخر وبين نظام متهالك ونظام متجدد ، كما ينبهنا الى مهالك بطانة السوء على الحاكم والمحكوم على حد سواء.
بين بطانة السوء وبطانة الخير يقع ظلم بين الحاكم و المحكوم وقد ابتلي الحاكم العربي والافريقي بطانة السوء ،ولولا بطانة اسوء من وزراء ومستشارين واداريين لما وصل الحال الى ما نحن عليه اليوم من تخلف.
تخلف على جميع الاصعدة علمي وثقافي و اقتصادي واجتماعي انتج وضع سياسي هش مبني على المقاربة الامنية وثقافة المؤامرة فالحديث عن الحكامة وفلسفة الحكم وفنون القيادة تخضع كلها الى مقاييس وتمحيص وقراءات علمية لاساليب الحكم حتى نصل الى النتائج.
ان الامم المتقدمة والمستقرة سياسيا وناجحة اقتصاديا لم تكن لتحقق وثبتها لولا السياسة الحكامة تشاركية وتكامل حقيقية في التسيير مبنية على عقد الاجتماعي بين حاكم ومحكوم الا ان ما يحدث في الاقاليم الجنوب متوسيطية لا يعكس حقيقة هذه النظرية القائمة.
فالصراع قائم ودائم بين اهل الحق واهل الباطل ويوزع بالسلطان ما لا يوزع بالقران ويوزع بالقران ما لا يوزع بالسلطان وهذا لما تترتب عليه مسؤولية الحاكم في اصلاح شؤون حكمه و رعيته وهو القانون الذي يسري على جميع اهل البلاد.
وقد يختلف البعض في فلسفة النقل فاجاز نقل القوانين ونسخها دون مراعات لاختلاف العنصر البشري بين البيئية والاخرى فشعوب ما اسفل المتوسط تختلف على شعوب الضفة الاخرى الشمالية من حيث الثقافات المتعددة وتقاليد والموروث الاجتماعي.
وهذا النقل اسس الى قاعدة العطالة الفكرية واقصى كل مجهود محلي لتطوير اسس الحكم وفق الثقافات المحلية و الموروث الاجتماعي والتاريخي المشترك كما اسس الى قاعدة الاقصاء على اساس الولاء وليس كفاءة وهذا خطئ كبير في نظري الخاص وهو ما مكن لبطانة السوء من التسلق الى اعلى مراتب وعلى مستوى القاعدة على حد سواء.
يستعين الحاكم بالمحكوم في ما يخص تسيير الشان العام من جند لبسط نفوذه وحكام محليين من ولات وخدم وحشم لجمع الضرائب وفرض القانون العام وخدمة العدل وقمع اي تمرد او عصيان.
فان فسدت وسائل الحكم على مستوى القاعدة اختل الحكم من القاعدة الى اعلى راس الهرم وليس بضرورة ان تكون القاعدة مصدر قلق او خطر على الحاكم ان استتب العدل وتساوت الحقوق وحفظة الامانات والعهود والمواثيق.
وان التحول الذي نعيشه اليوم له دالة واحدة وهي فقدان للثقة بين للحاكم والمحكوم نتيجة للتراكم المظالم وشيوعها بين فئات المحكومين ونقطاع اخبار الحاكم عن المحكوم واخبار المحكوم عن الحاكم.
ان الظلم واهمال حقوق الرعية هو واحد من اسباب هلاك الحضارات السابقة هو العنصر الذي يشكل تهديدا حقيقيا من حيث زعزعة الاستقرار الداخلي وذهاب الامن وشيوع مظاهر الاسراف و الفلاتان من المحاسبة والعقاب لصالح كبار الموظفين وعلية القوم من اصحاب المال واجاه.
ممن يحجبون الحقيقة عن الحاكم والمحكوم فان استبد الحاكم كانوا له عصا ضاربة وان سقط داسوه بالاقدام وقد سبقتهم السنتهم بثناء والمدح وتذلل لصالح القادم الجديد فهم بارعون في القفز من قارب على اخر.
وليس الامر بمعزل عن ما يدور في مفكرة ومخططات الخارجية واهدافها لسيطرة على الثروة وادارتها واستثمارها في ما يخدم مصالحها وهذا ما يعرف بنظرية المؤامرة.