ربما يكون المعتاد حين تدخل ورشة لإصلاح السيارات أن تلتقي عاملا فنيا، يلطخ الزيت والشحم ملابسه ويديه.
لكن هذا المشهد النمطي بات مختلفا بعض الشيء في البحرين، إذ أصبح للنساء حضور في مهنة طالما عُرفت بهيمنة الرجال في هذا المجتمع الخليجي.
داخل ورشة لإصلاح السيارات في العاصمة المنامة، وقفت حنين نوروز (20 عاما) وسط أكثر من عشر مركبات يعمل على إصلاحها فنيون من الرجال.
بدأت حنين العمل في هذا المجال منذ أكثر من عام، وتروي كيف بدأت رحتلها بقرار قضاء عطلتها في التدريب على إصلاح السيارات. وبعد انقضاء مدة التدريب، قررت حنين الاستمرار في هذا المجال.
"أعمل على فحص جميع السيارات التي ترد إلي في الورشة يوميا، وأستطيع أن أحدد ما هي المشكلة التي تعطل السيارة أو ما قد تحتاج إليه السيارة من إصلاحات أو حتى قطع غيار، ثم أذهب لشرائها"، هكذا تحدثت حنين عن مهاراتها في مجال إصلاح السيارات.
غير أن التجربة لم تلق ترحيبا كبيرا لدى مجتمعها الخليجي ذي الطابع المحافظ.
تقول حنين "عندما يأتي العملاء إلى الورشة لإصلاح سياراتهم أرى نظرات الاستغراب في أعينهم، فهم لم يعتادوا التعامل مع فتاة تعمل على إصلاح السيارات. قليل منهم من يتقبل وجودي في هذا المكان".
ممن يرفضون فكرة اشتغال النساء بأعمال ذات طابع ذكوري، خالد الطيب، الذي يرى أن "هناك مهن ذكورية تتطلب مقومات خاصة لا تتوفر في المرأة نظرا لتكوينها الجسدي الضعيف".
و أضاف الشاب البحريني "عندما تخرج المرأة عن المألوف وتعمل في مجالات إصلاح السيارات أو الحفر والبناء مثلا، فيكون هذا بمثابة شذوذ عن أعراف المجتمع وتقاليده".
أحمد خالد، وهو شاب بحريني آخر، يتفق مع هذا الرأي، قائلا "لا ينبغي على النساء أن يقمن بأعمال رجولية قد تتطلب أحيانا حمل أوزان ثقيلة. فحفاظا على أنوثتها، لا يجب على المرأة أن تجعل من نفسها رجلا وتعمل إلى جانب الذكور في مثل تلك المجالات".
وحتى حنين ترى أن هناك "حدود" بالنسبة لعمل المرأة بمجال إصلاح السيارات.
الحدود التي تتحدث عنها حنين وتؤمن بها هي رؤية المجتمع لقدرتها البدنية كأنثى غير قادرة على إنجاز جميع المهام المطلوبة في إصلاح السيارة والتي تتطلب جهدا عضليا.
وبالرغم من هذا، فإن حنين ليست الوحيدة من فتيات البحرين التي قررت العمل بهذا المجال الذي يُنظر إليه بصفة نمطية على أنه ذكوري خالص.
فداخل مركز آخر لصيانة السيارات، وقفت فاطمة تباشر عملها وقد ارتدت قناعا واقيا وسترة خاصة بأعمال السمكرة وخلط الأصباغ.
فبعد تخرجها في كلية التجارة، لم ترغب الشابة البحرينية في الاشتغال بعمل تقليدي كقريناتها حديثات التخرج، وفضّلت أن تغرد خارج السرب.
وبينما بدا عملها في هذا المجال أمرا غير مألوف للكثيرين في البحرين، فإنها تلقت دعما من والدها على ممارسة هذه المهنة.
"عندما استشرت والدي عن المجالات غير الاعتيادية التي من الممكن أن أعمل بها، نصحني باختيار مجال السمكرة، وكان له دور بارز في تشجيعي على العمل بهذا المجال".
ومثل حنين، أكدت فاطمة أن عملها في هذه المهنة لم ينل رضا الكثيرين في مجتمعها.
وتقول فاطمة "لم يلق عملي هذا استحسان كثيرين في البحرين لأنهم يرون أنه أمر صعب على الفتاة أن تعمل في السمكرة ولكن تصميمي على الاحتراف فيه أثبت لهم العكس".
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد النساء اللاتي يعملن في وظائف يعتبرها المجتمع مقصورة على الرجال.
لكن النساء في البحرين يشكلن أكثر من 47 في المئة من القوى العاملة في المملكة الخليجية، بحسب بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2010.
ويعمل في البحرين ما يقرب من 157 ألف مواطن بحريني، بحسب إحصاءات هيئة سوق العمل في البلد عام 2017.
وربما تلقت كلٌ من فاطمة وحنين دعما من الأسرة للعمل في هذا المجال. لكن كيف ينظر سوق العمل في البحرين لهذا الأمر؟
يقول أحمد زينل، المدير في شركة لإصلاح السيارات، إن تجارب تعيين المرأة في المهن ذات الصبغة الذكورية قد أثبتت نجاحها بشكل ملحوظ.
ويضيف زينل "نرى أنهن رائدات في مجالات كثيرة تتسم بطابع ذكوري، بل إن النساء أحيانا يتفوقن على الرجال فيها".
"هناك الكثير من البحرينيات اللاتي يعملن في مجالات ذكورية خالصة مثل الحدادة وهندسة الطيران والميكانيكا وغيرها".
كما يشير إلى أن المجتمع البحريني "أصبح أكثر تحررا في ما يخص عمل النساء في هذه المهن، طالما لا يتعرضن خلالها لما يؤذي كرامتهن أو أنوثتهن".
وبغض النظر عن عدد البحرينيات اللواتي تمكن بالفعل من امتهان أعمال يراها البعض ذات طبيعة ذكورية خالصة، يبدو وأن قطاعا من المجتمع يسعى لمحو صورة نمطية سلبية قد ترتبط بعجز النساء عن العمل بوظائف ظلت حكرا على الرجال لسنوات طويلة ..