الصفحة 3 من 3
الآيات التي تعرض لليهود تختص بعلاقتهم بالإسلام والمسلمين في يثرب
ويبدو لي كذلك أن القرآن يرى في النصارى استمراراً لخط بني إسرائيل ونبوتهم. وخذ هذه الآية كدليل على ذلك: «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين» (الصف 6). وكما نرى فعيسى بن مريم رسول لبني إسرائيل لا لليهود.
أكثر من ذلك، فإن الإسلام يعتبر نفسه تتمة لبني إسرائيل ونبوتهم. وهذه نقطة التلاقي الكبرى بين الإسلام والمسيحية. وقد أصر النبي محمد دوماً على ربط وحيه بوحي موسى، واعتبر نفسه متمماً لرسالته. وموسى هو جوهر وحي بني إسرائيل. لذا كثيراً ما وصفه بأنه «أخي موسى»: «أقول كما قال أخي موسى: ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري» (ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق). وفي حديث آخر أنّ الأنصار جمعوا مالاً كي يبنوا مسجداً للنبي في المدينة بعد الهجرة فرفض مفضلاً أن يصلي في عريش مثل موسى: «ليس لي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى» (مجمع الزوائد، الهيثمي). وهذه حقيقة مركزية في فهم الإسلام، وفهم الأديان التي سبقته.
انطلاقاً من هذا، يمكن فهم كيف أن الإسلام كان يمتح في بعض الأحيان من مصادر قديمة قبل تبلور اليهودية التي نعرفها، وقبل تبلور التوراة التي نعرفها. التوراة تقوم على دمج بني إسرائيل باليهود. أما القرآن، فيقوم على الفصل بينهما. يؤيد هذا مثلاً أن هناك ذبيحاً واحداً فقط في التوراة هو إسحق. أما في التقليد الإسلامي، فهناك ذبيحان: إسحق وإسماعيل. وقد حذفت التضحية بإسماعيل من التوراة. أي حذفت أضحية الولد البكر. الأضحية مذكورة في التوراة لكن نموذجها، الذي هو إسماعيل، محذوف: «لي كل فاتح رحم، وكل ما يولد ذكراً من مواشيك بكراً من ثور وشاة» (خروج 34: 19). أبقي على الذبيح الأصغر، إسحق، وحذف الذبيح البكر: إسماعيل. لكن تقليد الذبيح البكر، أو «فاتح الرحم» حسب تعبير التوراة، ظل حياً في الإسلام. وهو دليل على أن الإسلام كان يمتح بشأنه من تقاليد سابقة للتوراة. وقد عرضت بالتفصيل لمسألة الذبيحين في التقليد التوراتي والإسلامي في كتابي «عندما سحقت حية موسى: نشوء الديانة اليهودية في فلسطين في العصر الفارسي».
* شاعر فلسطيني