العناوين المثيرة التي ينقلها الصحافيون بشأن انتشار فايروس كورونا تستحوذ على الاهتمام ولكنها تخيف أيضا بشكل غير ضروري.
ينصبّ اهتمام الجمهور اليوم في شتى أنحاء العالم على فايروس كورونا والمعلومات الطبية المتعلقة به، وتحاول وسائل الإعلام تلبية حاجة الجمهور بهذا الموضوع، بأقصى قدر ممكن من المسؤولية دون تغذية حالة الهلع الموجودة أصلا.
نيويورك- ديفيد باودر- تواجه المؤسسات الإخبارية في تغطيتها للأزمات الصحية المتصاعدة مثل فايروس كورونا، مهمة نقل جديتها في التعامل معها، دون إثارة حالة من الذعر، وكذلك مهمة مواكبة سيل المعلومات في ظل الكثير من الغموض وتقديم المشورة للقراء باستمرار حول كيفية الحفاظ على صحتهم.
وقال مايكل سلاكمان، المحرر الدولي في صحيفة نيويورك تايمز، “إنها قصة تستمر على مدار 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع حول العالم”.
وتحتفظ التايمز بمدونة أخبار حية حول فايروس كورونا التي يتم تحديثها على مدار 24 ساعة، مع تقسيم المسؤولية بين المحررين في نيويورك ولندن وهونغ كونغ، وفق تقرير لأسوشيتد برس.
وتضم قناة سلاك، التي أنشأها صحافيو أسوشيتد برس لمناقشة التغطية في ما بينهم والمساهمة في القصة أكثر من 400 عضو، وبدأت شبكة أن.بي.سي.نيوز، بتحويل نشرتها الإخبارية الصباحية فقط إلى وسيلة للحديث عن المرض، منذ الاثنين.
وقد أصاب فايروس كورونا الآلاف، ووضع الملايين في الحجر الصحي وأدى إلى تعثر الأسواق المالية، في حين يقول بعض المنتقدين إن القصة مبالغ فيها.
كما تحتل أخبار انتشار الفايروس صدارة النشرات الإخبارية في القنوات الفضائية العربية، إضافة إلى تقارير متنوعة حول المعلومات الطبية التي يجب على الجمهور معرفتها.
وقال غلين نوفاك، مدير مركز كلية غرادي للصحة والتواصل بشأن المخاطر بجامعة جورجيا “من الصعب إقناع الناس بالحفاظ على هدوئهم عندما تكون الإجراءات المتخذة في الكثير من الحالات قوية للغاية أو غير مسبوقة”. لكن هذا ما يقول الصحافيون المسؤولون عن التغطية إنهم بحاجة إلى القيام به.
وقال جون فاهي، محرر الصحة والعلوم في أسوشيتد برس “قدمنا الكثير من المُفسرين بشأن المرض، وعرضنا الكثير من الأسئلة والأجوبة بلغة واضحة وبسيطة عن ماهية الأعراض وماذا يعني المرض للأشخاص”.
وقال إن الخوف هو استجابة طبيعية عندما يقرأ الناس عن الملايين من الأشخاص المحتجزين في الصين. ومع ذلك، فمن الصحيح أيضا أن الخطر الفردي على الأشخاص في الوقت الحالي ضئيل جدا.
وفي أواخر الأسبوع الماضي، حاولت مراسلة صحيفة التايمز، فيفيان وانغ، توضيح بعض التعقيدات في كتاباتها عن مرض أصاب أكثر من 80 ألف شخص، وأدى إلى مصرع ما يقرب من 3000 حالة.
وأشارت وانغ إلى أن معظم الناس لديهم أعراض خفيفة من حسن الحظ، والمفارقة أن هذا يجعل احتواء المرض أكثر صعوبة لأن الكثير منهم لا يدركون أنهم مصابون بالفايروس.
وقال الدكتور سانغاي غوبتا، المراسل الطبي لشبكة سي.أن.أن، “ما زلت أذكّر المشاهدين بأنه بناء على دراستين كبيرتين، فإن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يصابون بهذه العدوى لن يمرضوا. سوف يعانون من مرض خفيف، إن وجد، وسوف يتعافون. هذا يميل إلى أن يكون مطمئنا للغاية للناس. لكنني لا أريد التقليل من هذا. نحن نتعامل مع فايروس ينمو ويصبح وباء”. وتعد كلمة “وباء”، التي يعرّفها ويبستر على أنها تحدث على مساحة جغرافية واسعة وتؤثر على نسبة عالية بشكل غير عادي من السكان، وهي واحدة من الكلمات والعبارات التي تبدو مخيفة والتي يهتم بها بعض الصحافيين.
وقال فاهي إن وكالة أسوشيتد برس تتجنب وصفه بأنه مرض “قاتل” لأنه، بالنسبة لمعظم الناس، ليس كذلك. ويقوم الدكتور جون توريس، المراسل الطبي لشبكة أن.بي.سي.نيوز بتعديل العبارات التي تحوي كلمات مثل “مروعة” أو “كارثية”. وقال توريس “أحاول عدم الخوض في الصفات”.
وتزداد حالات الإصابة بمعدل يومي على مستوى دول العالم. ومع ذلك، هل ينبغي على الصحافيين النظر في الأثر التراكمي لهذه الزيادات؟ يقول غوبتا “في مرحلة ما تصبح الأرقام بلا معنى”.
ويمكن أن تستحوذ العناوين المثيرة على الاهتمام ولكنها تخيف أيضا بشكل غير ضروري. وقد استطاع مقال في مجلة أتلانتيك، الأسبوع الماضي، بعنوان “من المحتمل أن تصاب بفايروس كورونا”، أن يدفع بمؤلفه، جيمس هامبلين، ليكون ضيفا في برنامج “مورنينغ جو” على قناة أم.أس.أن.بي.سي.
وقال بيتر ساندمان، وهو خبير استشاري وخبير في التواصل بشأن المخاطر، إن عامل الإثارة يميل إلى الانخفاض في هذه المواقف. وقال ساندمان “يحب الصحافيون إثارة المواضيع التافهة، مثل البكتيريا التي تأكل اللحم لإعطاء جمهورهم قصصا مشوقة ومثيرة. لكن عندما تصبح المخاطر جادة وواسعة الانتشار، تصبح التغطية الإعلامية واقعية”.
وترسل كلمات وأفعال الصحافيين والشخصيات العامة الأخرى إشارات خاصة بهم. حيث تحدث غوبتا من شبكة سي.أن.أن، عن الأشخاص الذين يحتاجون إلى التفكير في “التباعد الاجتماعي” إذا كانت العدوى تنتشر. وقد كشف على الهواء أن منزله مزود بالإمدادات في حالة اضطرار عائلته إلى البقاء في المنزل لأي فترة زمنية. وقال غوبتا “يمكن أن يخاف الناس من ذلك. ليس هذا هو القصد. ولكنها الطريقة التي يتم بها الإبلاغ عن هذه الأمور”.
الصحافيون يرغبون في تناول قصص مشوقة ومثيرة، لكن عندما تصبح المخاطر جادة، تصبح التغطية الإعلامية واقعية
وإلى جانب تذكير الناس باستمرار بأساسيات المرض، يقول الصحافيون إنه من المهم شرح ما لا يعرفونه عن الفايروس.
وقالت لورا هيلموث، محررة الصحة والعلوم في واشنطن بوست “هذه الوسيلة تؤكد لهم أننا لا نتجاهل الأسئلة فحسب، بل إنها فرصة للكشف للقراء كيف يتقدم العلم في الوقت الحالي”.
وينتج الفايروس مجموعة لا حصر لها على ما يبدو من القصص التي تمتد إلى ما وراء علم الطب، مما أسفر عن تعثر وول ستريت وإغلاق المدارس والأعمال وإلغاء الحفلات الموسيقية. وقد نفى صانعو “بيرة كورونا” التقارير التي تفيد بأن تشابه اسمها مع الفايروس يضر بأعمال الشركة. ويبتعد الإيطاليون عن تبادل القبلات التقليدية على الخد.
وتبلغ صحيفة التايمز عن قصص حياة الناس العالقين في ووهان، من خلال تغطية كل من المراسلين كريس باكلي وآيمي تشين وإلسي تشن. وقال سلاكمان، هذه الطريقة في الإبلاغ عن المرض تشير إلى أن هناك حاجة إلى أن تنشئ الصحيفة خطا ساخنا مع أخصائي طبي للإجابة على أسئلة المراسلين المهتمين بصحتهم.
وكما هو حتمي في أوقات الانقسامات هذه، أصبح فايروس كورونا قضية سياسية في الولايات المتحدة، حيث يعلق المعلقون على كيفية تفاعل الرئيس مع الأزمة. وفي قناة فوكس نيوز، قال ترامب عن الديمقراطيين “بالنسبة لأنهم يأملون أن يتفشى المرض هنا ويقتل الملايين من الناس حتى يتمكنوا من القضاء على حملة فوز دونالد ترامب، هو مستوى جديد من المرض”.