بطاطا العالم
إذا ما كنت سائحاً، ميسوراً أو محدود الدخل، كبيراً أو صغيراً، يمكنك المرور على أي مطعم في العالم، في أضيق زاروب أي مدينة، أن تطلب صحن بطاطا مقلية لتكتفي به وجبة سريعة. كذلك الأمر حين تطلب أنواعاً مختلفة من الطبخات المحلية والشعبية أو لائحة الطعام في أفخم المطاعم، تجد الطباخين يتفننون باستخدام البطاطا في طبخاتهم مسلوقة ومقلية ومضافة إلى السلطة أو إلى الخضراوات المطبوخة أو مشوية مع اللحوم والأسماك المختلفة. لقد حضرت البطاطا في كل مكان كما هي حال الخبز. وكما أنواع الخبز الكثيرة التي تختلف طريقة تحضيرها من مجتمع إلى آخر، كذلك البطاطا. لكن هذا "الانتصار" للبطاطا أتى بعد احتقار لهذه الثمرة الترابية منذ وصولها إلى أوروبا بعد اكتشاف العالم الجديد في القارة الأمريكية، وبعدما سميت "النبتة الشيطانية" في مرحلة معينة، وكان يأبى الجميع تناولها خوفاً من التسمّم، أو لأنها طعام الفقراء وتدل على الموقع الطبقي الوضيع لمتناولها كغذاء أساسي. ومثال إيرلندا، حيث تحولت البطاطا إلى قوت يومي، يؤكد هذه الصورة "صلصة الرجل الفقير: بطاطا صغيرة يأكلها مع البطاطا الكبيرة".
البطاطا مثل سكان أمريكا الأصليين، أمريكية الأصل. قبل اكتشاف القارة الجديدة، لم يكن العالم القديم يعرف هذه النبتة. زرعت في سهول الأنديز في البيرو وتشيلي منذ ثمانية آلاف سنة، وعرفها هنود حضارة الأنكا التي قامت بين عامي 1200 و1572، وذكروها في صلاتهم ووضعوها في أكفان موتاهم. وحين كان يصاب محصول السنة من البطاطا بالمرض، كانت تقدم القرابين للآلهة لطلب العفو والمسامحة. وبعد اكتشاف البطاطا من قبل الغزاة القادمين من أوروبا، لم يكن هذا الاكتشاف ليغيّر العالم فحسب، لأن البطاطا تحتوي على كمية كبيرة من النشويات المشبعة، بل لأنها تنبت في كل مكان وفي أي طقس ومهما كان نوع التربة. هي نبتة مقاومة لمصاعب الأرض والبرودة والجفاف والحرارة. فما ينبت في جبال الأنديز العالية في أرض صخرية يتخلّلها التراب وحيث الشمس طوال النهار والصقيع طوال الليل، سينبت في أي مكان آخر بلا مشقة. وهذا ما كانت البطاطا تخبئه لشعوب العالم. فقشرتها السميكة تحميها، وتنمو في التربة القاسية. وهذا ما أوجد منها أكثر من 230 نوعاً. العديد منها ساعد في إنقاذ أوروبا من المجاعات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بعدما ضربت الآفات مزروعات أوروبية كثيرة، عدا البطاطا، خصوصاً أنها لا تحتاج إلى عناية من المزارع. وتنتج النبتة الواحدة منها عدداً كبيراً من الثمار تحت التراب. ولكثرة إنتاجها، ولشبه لبها بلب التفاح وغناه بالعصير النشوي، سمّاها الفرنسيون "تفاح الأرض" pomme de terre. وكلمة "بطاطا" مأخوذة من الكلمة الإسبانية patata التي تعود إلى اللغات المحلية في البحر الكاريبي ومنطقة جبال الأنديز.