حزام يحاصر النهضة
وباستثناء الجبهة الشعبية، الائتلاف الحزبي اليساري الذي رفض المشاركة في حكومة الشاهد، فقد تدافعت الأحزاب والشخصيات العلمانية في ما يشبه الهبة للتموقع بقوة داخل التركيبة في مسعى لقطع الطريق أمام سطوة النهضة المتحالفة مع النداء ما أثار خشية الغنوشي من تهميش الحركة وتهديد نفوذها السياسي.
ويقول محللون سياسيون إن مقاعد ممثلي النهضة في التركيبة لن تكون مريحة بالمرة بالنسبة للغنوشي في ظل حزام يتكون من ممثلين عن خمسة أحزاب علمانية ويسارية وقومية إضافة إلى حضور نقابي قوي، فضلا عن حضور عناصر نسائية ترى في النهضة خطرا على مكاسبها التي تحققت في ظل دولة الاستقلال.
ويرى رشيد الرقيق المحلل السياسي أن "جهود راشد الغنوشي التي كانت ترمي إلى تموقع سياسي قوي تبددت بعد أن توصل العلمانيون إلى الاستئثار بأكثر من 80 بالمئة من التركيبة الحكومية ليحشروا وزراء النهضة في هامش ضيق من التحرك وسط ائتلاف يسعى إلى خنق مساعي الحركة".
ويضيف الرقيق إن "أهم نقطة قوة في حكومة الشاهد تتمثل في تركيز حزام حكومي رباعي الأبعاد معاد للإسلام السياسي يعد تمهيدا ذكيا لتجريد النهضة من سطوتها السياسية ومن أي نفوذ قوي في مواقع القرار السياسي".
ويتكون الحزام الأول من ممثلين عن اليسار الراديكالي وخاصة حزب المسار الذي تقلد أمينه العام سمير الطيب حقيبة وزارة الزراعة وهو حزام من أشرس المعاديين لحركة النهضة التي لا يرى فيها سوى جزء من الجماعات الإسلامية التي تعد ذراعا لقوى إقليمية وأجندات تهدف إلى تدمير مكاسب التونسيين.
ويتكون الحزام الثاني من حضور نقابي قوي ممثلا في محمد الطرابلسي الذي تولى حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية وعبيد البريكي الذي تقلد حقيبة وزارة الوظيفة العمومية وهما قياديان سابقان بارزان في الإتحاد العام التونسي للشغل المركزية النقابية القوية التي خاضت معارك ضارية ضد جموح النهضة وأجبرتها العام 2014 على التنحي من الحكم.
ويتكون الحزام الثالث المعادي للنهضة من مشاركة قوية للمرأة التي تتبنى التحديث الاجتماعي والسياسي منهجا وآلية لمقاومة محاولات الحركة الإسلامية المساس من حرية نساء تونس اللواتي حسمن انتخابات خريف 2014 لفائدة مرشح الرئاسة قائد السبسي على حساب مرشح الإسلاميين منصف المرزوقي بأكثر من مليون صوت انتخابي.
أما الحزام الرابع الذي حاصر جهود الغنوشي ضمن تركيبة حكومة الشاهد فإنه يتكون من شخصيات سياسية وكفاءات غير متحزبة من بينها رجالات دولة سابقين يتوجسون خيفة من أجندة النهضة السياسية في مجتمع متحرر يؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية ويرفض الزج بالدين في إدارة الشأن العام.
وتقول دوائر مقربة من حركة النهضة إن مرد تحفظات راشد الغنوشي على تركيبة الحكومة رغم تعهده بدعمها خلال منحها ثقة البرلمان "اقتناعه بأن حليفه قائد السبسي الذي أشرف بنفسه على وضع اللمسات الأخيرة للتركيبة الحكومية نجح في تضييق الخناق عليه بدهاء شديد من خلال تمسكه بحشد أكثر ما يمكن من العلمانيين وخاصة الأحزاب اليسارية الراديكالية.
ووفق نفس الدوائر فإن التحفظات التي لم تجاهر بها النهضة ترتكز أساسا على قراءتها للتركيبة الحكومية والتي كشفت أن هناك توجه نحو تهميش الحركة من مواقع القرار السياسي وتوزيع مراكز النفوذ على خصومها الشرسين بناء على تحولات المشهد السياسي لا بناء على وزنها الانتخابي.
ووصف الرقيق محاصرة جهود الغنوشي بحزام العلمانيين بـ"الضربة الأولى الموجعة التي تكتمت عليها النهضة" مشددا على أن "إشراك اليساريين والنقابيين والمرأة من شأنه أن يقود إلى تجريد النهضة من سطوتها السياسية".
وتوقع رشيد الرقيق أن يتحفظ عدد من نواب النهضة عن منح ثقتهم للحكومة غير أنه لفت إلى أن مسألة نيل الثقة باتت مؤكدة بعد أن نجح يوسف الشاهد في لم شتات غالبية الأحزاب السياسية العلمانية وكسب تأييد إتحاد الشغل.
بانوراما
إسلاميو تونس يختنقون داخل حكومة الشاهد - حزام يحاصر النهضة
- قسم التحرير
- الزيارات: 1125
فهرس المقال
الصفحة 2 من 2