لم تعد قضية اغتصاب الأطفال قاصرة على مجتمع عربي بعينه، وقاربت أن تتحول إلى ظاهرة مجتمعية خطيرة، بعدما فشلت جهود كثيرة في القضاء عليها وتحصين الصغار من أن يقعوا فريسة لمن يستهدفون حديثي السن ويعتدون عليهم جنسيًا، وباتت الوقائع المتكررة تشكل صداعًا مزمنًا للأسرة في أي مجتمع مهما كانت درجة حفاظه على العادات والتقاليد.
مشكلة اغتصاب الأطفال في بعض الدول العربية أن الجميع أصبح شريكًا فيها، الأقارب والجيران والأصدقاء وغيرهم، فلم يعد غريبا أن تجد أبًا اغتصب طفلته أو صغيرة تعرضت لاعتداء جنسي على يد عمها أو أحد أفراد أسرتها، ما حدا بالبعض أن يعتبر الحديث عن تعرض الصغار للاغتصاب أمرا طبيعيا.
صحيح أن حوادث انتهاك براءة الصغار ليست متساوية في البلدان العربية، لكنها واقع تقره تحقيقات النيابات وأقسام الشرطة بسيناريوهات تصل إلى حد الخيال ولا يتقبلها العقل، والجاني في كل مرة يقر بتفاصيل ما جرى دون شعور بالذنب تجاه ما ارتكبه في حق الصغير.
ويرى البعض من المراقبين أن أي إحصائيات تتحدث عن نسب اغتصاب الأطفال تبدو غير واقعية، إما لتجنب الفضيحة بالسكوت على الأمر حتى لا تكون واقعة الاغتصاب وصمة مشينة في تاريخ الصغير عندما يكبر، أو لأن بعض الحالات يكون المتهم فيها أحد أقارب الضحية، ما يشكل الإعلان عنها فضيحة للعائلة كلها وقد يتسبب في انهيار الأسرة بكاملها.
ويقول هؤلاء، إن الصمت على مثل هذه الحوادث وعدم اللجوء إلى محاسبة الجناة، كانا سببا في أن تتوسع من مجرد حالات فردية إلى ظاهرة مجتمعية تقف كل الجهات عاجزة عن التصدي لها، لا سيما وأن البعض ممن يفكرون في الإقدام على هذه الخطوة يعتقدون أن المجتمع قد يكون متقبلًا لها أو لا يعيرها اهتماما.
مثال ذلك، ما شهدته مصر مؤخرا من واقعة اغتصاب عامل يبلغ من العمر 45 عاما لطفلة لم تتجاوز سنها 18 شهرا، بإحدى قرى محافظة الدقهلية شمال القاهرة، وتبين من تحقيقات النيابة العامة أن المتهم كان قد ارتكب جريمة مماثلة قبل 3 أعوام مع طفلة عمرها 6 سنوات ورفضت أسرتها أن تقاضيه حتى لا تضر بسمعتها.
تسببت واقعة اغتصاب طفلة العام ونصف العام، في أن ينتفض الرأي العام المصري بمختلف فئاته لبشاعة القصة التي رواها المغتصب حول طريقة اختطاف الطفلة والاعتداء عليها حتى نزفت دماؤها ولم يتركها إلا بعد أن استكمل جريمته.
وتحدث متابعون عن هذه القضية وغيرها، وقالوا إن الكثير من الأسر لا تتحدث عن تعرض صغارها للاغتصاب أو الانتهاك الجسدي، إلا إذا حدثت كارثة جسدية أثناء الاعتداء الجنسي، وهو ما يفاقم وقوع المزيد من الحالات، ويتفادى المتهم ترك أيّ آثار سلبية تدينه، وبعضهم يدرك أن أسرة الضحية لن تتحدث في الأمر.
ثمة مشكلة أخرى تعرقل جهود مواجهة الظاهرة والقضاء عليها بشكل جذري، هي أن بعض القوانين الجنائية في دول عربية لا تضع عقوبات صارمة للجناة في هذه القضايا، فضلا عن وجود ثغرات في بعض مواد القانون تستغلها هيئات الدفاع في المحاكم لتبرئة الجناة أو التخفيف من العقوبة عليهم.
وبرغم الغضب في مصر على اغتصاب الطفلة المعروفة إعلاميا بـ"طفلة البامبرز"، تحدث قانونيون عن أنه لا يمكن للقاضي معاقبة المتهم بأكثر من السجن لمدة سبع سنوات، لا سيما وأن المادة الخاصة بالاغتصاب في القانون الجنائي المصري تعاقب مغتصبي الأطفال بالسجن من 3 إلى 7 سنوات فقط.
أمام هذه المعادلة الصعبة، بين القصاص لأسرة الضحية والالتزام بعقوبة بعينها، تجد المحكمة نفسها مكبلة بمواد قانونية أدرجت في حقبة زمنية لم تكن فيها هذه القضايا موجودة، حيث لم تعرف الكثير من المجتمعات وقائع اغتصاب الأطفال إلا في السنوات الأخيرة، بينما يصل عمر بعض القوانين إلى أكثر من 50 عاما دون تعديل.
وطالب حقوقيون معنيون بقضايا الطفولة، بضرورة أن تكون القوانين مواكبة لما طرأ على المجتمعات من حوادث وقضايا تتعلق بانتهاك براءات الصغار والاعتداء عليهم، وفق متطلبات العصر وما استجد في الواقع من وقائع لم تكن مألوفة أو تحدث من قبل، لتكون هذه القوانين إحدى أدوات تحصين الصغار من انتهاكهم جسديا.
وقبل أيام، تقدم نواب داخل البرلمان المصري بطلب عاجل لسن تعديل تشريعي على قانون الإجراءات الجنائية لتغليظ عقوبة الاغتصاب والوصول بها إلى حد الإعدام شنقا، وقالوا في وثيقة قدموها إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية إن بنود القانون الحالي ليست كافية لردع المغتصبين وهناك ثغرات فجّة قد تستغل في تبرئة المتهمين.
قال المحامي المصري محمد سيد أحمد، إن البعض من هيئات الدفاع عن المتهمين في قضايا اغتصاب الأطفال يلجأون إلى حيلة إصابة المتهم بمرض نفسي دفعه إلى الإقدام على خطوة اغتصاب الصغير، ومنهم من يلجأ إلى تزوير شهادة صحية من أحد المراكز الطبية تفيد بأن المتهم معاق ذهنيا، وحينها ينتهي الأمر إلى تبرئته من القضية.
وأضاف أن الكثير من القوانين الجنائية في بلدان عربية لا تتطرق حتى الآن إلى عقوبة محددة بشأن وقائع اغتصاب الأطفال، لكنها تتحدث فقط عن الاغتصاب بشكل عام، برغم أن عقوبة انتهاك جسد الصغير يُفترض أنها أشد لكنها غير موجودة من الأساس لأن المحاكم أصبحت تصدر أحكامًا بقوانين عفا عليها الزمن.
وأوضح أن الأخطر من ذلك، أن يكون المتهم أحد أفراد الأسرة، وبالتالي فإن إثبات ذلك أمام المحكمة يحتاج إلى شهود، وقد يدفع الأب أو الابن المغتصب أو حتى العم، إلى الادعاء بأن هناك مشكلات عائلية دفعت الأسرة لاتهامه بارتكاب هذا الفعل، ولا سيما إذا لم تكن هناك علامات على وجود اغتصاب كامل، وهذا يسمى “الاغتصاب الصامت”، وهو منتشر بشكل كارثي.
ويرى خبراء اجتماع أن غياب ثقافة التوعية الأسرية للصغار لتجنيبهم خطر الوقوع فريسة للاغتصاب، يظل أحد الأسباب الرئيسية في تنامي الظاهرة لدى كثير من المجتمعات، ويرى بعض الآباء أن الخوض في قضايا جنسية مع الصغار من شأنه أن يفتح عقولهم على أمور يتم توظيفها بشكل سلبي والبعض الآخر يخجل من التحدث مع أبنائه في مثل هذه الأمور.
وقال خبراء إن تقديم النصيحة للأطفال بشأن طبيعة التعامل مع الأقارب وحتى الغرباء ومنعهم من الاقتراب منهم بطرق مريبة أو الذهاب معهم إلى أماكن خالية من الناس يعرضهم للأذى، وهذا من شأنه أن يحميهم من الانتهاك الجسدي مستقبلا، فضلا عن ضرورة التحاور مع هؤلاء الصغار حول وسائل الحماية من المتحرشين.
تحدث البعض عن حتمية استخدام البيئة المدرسية لتكون بديلة للأسرة في هذا الشأن، من خلال تخصيص حصص دراسية عن آلية وطريقة مواجهة المتحرشين والمعتدين جنسيًا وآلية اكتشافهم والتعامل معهم، بحيث يكون ذلك من خلال متخصصين في هذا المجال، ويتم تبني استراتيجية لمواجهة اغتصاب الأطفال وتحميل المجتمع المسؤولية بمختلف فئاته.