اختر لغتك

إثر انتداب منتحل بالجامعة: تركوا الذّئب يرعى واتهموا الشّاة بأكل الخراف

الكاتبة والباحثة التونسية بسمة بن سليمان

إثر انتداب منتحل بالجامعة: تركوا الذّئب يرعى واتهموا الشّاة بأكل الخراف

ضمن متابعتي لموضوع مناظرة انتداب الأساتذة المساعدين بالتعليم العالي اختصاص لغة وآداب وحضارة عربيّة، أجريت حوارا مع الدكتورة بسمة بن سليمان عند زيارتها بمحلّ سكناها بعد إعلانها عن جملة من المواقف والتحرّكات الاحتجاجيّة تنديدا بما طالها من استهداف وإقصاء على حدّ تعبيرها من قبل اللّجنة.

نص الحوار:

 * لو تقدّم الدكتورة بسمة بن سليمان نفسها؟

ـ بسمة بن محمّد بن سليمان، أستاذة باحثة بجامعة منّوبة، أزاول مهنة التّدريس برتبة أستاذة مبرّزة فوق الرّتبة درجة استثنائيّة بمعهد باردو، درّست بصفة عرضيّة في كلّية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة. لي خبرة ممتدّة في التّدريس وحاصلة على الدكتوراه بملاحظة مشرّف جدّا بعنوان سنة 2019، نُشر لي ثلاثة مؤلّفات أوّلها كتاب "الهويّة السّرديّة للبطل في نماذج من القصص العربيّ القديم" وهو في الأصل أطروحة دكتورا، ضمن سلسلة عيون الرّسائل بالدّار التّونسيّة للكتاب، وثانيها كتاب "الجسد والسّرد من الإيروسي إلى الموبيوسي" إصدار خريّف للنّشر، وثالثها رواية "للحبّ مجيء ثان" إصدار خريّف للنّشر أيضا. إلى جانب طائفة من المقالات العلميّة المنشورة في دوريّات محكّمة ومشاركتي في العديد من النّدوات العلميّة والثّقافيّة داخل تونس وخارجها واعتمادي محكّما في دوريّات علميّة، وإشرافي على تربّص طلبة دار المعلّمين العليا لسنوات ومساهمتي في أيّام ورشات تكوينيّة.

 * كأيّ مترشّح لأي امتحان أو مناظرة حضرت في الموعد ووقفت أمام اللّجنة، كيف كانت معنوياتك وانتظاراتك؟

ـ حضرت في الموعد ولاحظت أنّ المكان الّذي خصّص لنا حتّى ننتظر فيه موعد دخولنا أمام اللّجنة يفتقر إلى الحدّ الأدنى من اللّياقة، فقد حُشرنا في زاوية محاذية لباب البهو وكان بعضنا يجلس في مستوى الباب أو قبالته، مع وجود ضجيج وحركة كثيفة لزوّار تجمّعوا بالبهو في انتظار ندوة تنعقد في نفس الفضاء، ولآخرين جاؤوا لقضاء شؤون مختلفة. وهذا ما هيّأ الوضع أن يكون مشحونا مرهقا، حتّى أنّ انتظارنا الطّويل بدا شبيها بالجهاد المرّ. ولاحظت معاناة بعض الحاضرين الّذين جاءوا من ولايات بعيدة ولم يتمّ إعلامهم بموعد الشّفويّ في الآجال المناسبة بل إنّ بعضهم قد فاته الموعد وجاء محاولا التّدارك ولم يكن على استعداد جيّد للشّفوي.

 * لو تسردين لنا الأجواء، كم دامت المقابلة؟ وكيف كانت الأطوار؟

ـ دخلت القاعة وكانت شبه معتّمة، والمقابلة لم تتجاوز الخمس والعشرين دقيقة برمّتها. جلست قبالة منصّة بعيدة ومتناهية في العلوّ اصطفّ فيها أعضاء اللّجنة وهم خمسة، كان ثلاثة منهم مشغولين بحواسيبهم وكأنّهم غير معنيّين بحضوري، فيما تكلّمت رئيسة اللّجنة وطلبت منّي تقديم مداخلتي، طفقت في الكلام وكنت أنظر إلى الجميع ولاحظت أن واحدا منهم فقط يرصدني ويبدو منصتا إليّ، أما رئيسة اللّجنة فقد بدت ضجرة، ثمّ لاحظت انتباها متقطّعا لعضو ثالث. وفهمت فيما بعد أنّهم كانوا وقتها يتصفّحون ملفّي على حواسيبهم، وأنّ المعنيّ بتخصّصي وهو الأدب واحد فقط من خمسة والبقيّة مختصّون في الحضارة واللّغة. حين فرغت من مداخلتي، طفق ذلك العضو في الكلام، فانغمست في تسجيل ملاحظاته حتّى أجيب عليها ولكنّني سرعان ما أدركت أنّه لم يكن يناقشني في تفاصيل ملفّي بل حصر تعليقه في أمر واحد وهو إصدار لائحة اتّهام وتعقيبها بحكم. أدركت حينها نيّة إقصائي وأنّني وضعت خارج دائرة التّناظر، فقد قالي لي بالحرف الواحد أنّه رصد تشابها بين صفحتين من كتابي الجسد والسرد وأطروحتي وهما الصّفحة 32 والصّفحة 40، ولاحظ تقاربا بين الصفحة 368 من أطروحتي ومقالي البطولة المنزاحة أو اللّعب بمنتهى الجدّ، حينها وضعت قلمي وفهمت بأيّ عين قرأ كتاباتي، وأنّه لم يصغ حقيقة إلى مداخلتي الّتي بيّنت فيها التّقاطعات الحاصلة بين أطروحتي ومقالاتي وكتابي الجسد والسّرد، وأنّني كنت أشتغل وفق سهم تفكير ووفق مشروع مترابط. ومن الطبيعي أن أستعيد بعض أفكاري والنّتائج الّتي وصلت إليها لأوظّفها في سياقات ذات صلة وأبني عليها الجديد. وقد صرّحت بذلك في مؤلّفاتي. إلاّ أنّه أصرّ على إصدار حكمه فقال لي هذا انتحال وسرقة ويدلّ على انعدام الأمانة العلميّة ولا يمكن أن تدخلي الجامعة.

انتحال!!!! يا لها من تهمة خطيرة!!! عن أيّ انتحال يتكلّم، قد تكون الإحالات غير دقيقة في بعض المواقع، ولكن ممّن انتحلت؟ من نفسي؟. لم يحدّد أصلا ما نوع الانتحال الّذي يقصد وهذا في حدّ ذاته ينطوي على مغالطة وتوجيه وهرسلة. وحتّى إن قصد الانتحال الذّاتي فإنّه لا يكون بهذه الطريقة، إذ ضبطت أكبر الجامعات في العالم، مثل هارفرد وأكسفورد حدوده، واعتبرت أنّه لا يجب استثمار أكثر من العشرين بالمائة من مؤلّف سابق في مؤلّف لاحق. ويجب أن يوظّف توظيفا جديدا. فهل صفحتان هنا وصفحة هناك تدخل في باب الانتحال الذّاتي؟؟ وهل يكون الانتحال على سبيل التّشابه والتقارب؟؟ ما أعرفه أن قانون2008 واضع في تعريف الانتحال وهو سرقة مجهود الغير ونسبته إلى النّفس. وما أعرفه أيضا أنّه ليس من الأخلاقي أن آخذ عددا لا بأس به من صفحات كتاب سابق وأنشره بحذافره في مقال آخر دون توظيف يُذكر أو إضافة. وهذا ما لم أفعله ولا أحتاج للقيام به أصلا. بدت رئيسة اللّجنة منساقة لهذا العضو منسجمة معه، وحاول عضو آخر التّلطيف من كلامه فقال لي باقتضاب ملفك متكامل ولكن أّضم صوتي لصوت فلان وأحتسب ذلك على حسن النّية..أمّا بقية الأعضاء فلا حياة لمن تنادي. خرجت وأنا أدرك بعمق أنّه قد تمّ إضمار إقصائي.

* في أكثر من حوار ومقال تكلّمت عن التشدّد الديني الذي عزّز العقلية الذكورية، وأيضا قلت إنّ التّعليم الدّيني خطر على الجمهورية، فهل وراء استهدافك وإقصائك في مناظرة انتداب الأساتذة المساعدين بالجامعة التونسية جانب أيديولوجي؟

ـ لا استبعد ذلك مطلقا، خصوصا مع ما نعرفه كلّنا من ظروف تعيين اللّجنة وخلفيّات أغلب أعضائها، فانتماؤهم للإسلام السّياسي معروف وأطروحاتهم مخالفة تمام المخالفة لأطروحاتي ولأطروحات عدد من الزّملاء خاصّة في تخصّص الحضارة. مع العلم أنّني أشتغل على بحوث بينيّة تجمع بين الأدب والحضارة وتنفتح على الفلسفة والعرفانيّات. وُتقارب النّصوص مقاربة لا تخضع للتّوظيف الدّيني بل تقف على مسافة موضوعيّة منه ومن التّراث فتنظر إليه بمنظار العقلانيّة والحسّ النّقدي وترفع عنه التّقديس.

نحن أهل الآداب والعلوم الإنسانيّة قد استُهدفنا منذ 2011، لا تنس حادثة العلم بكلّية الآداب بمنّوبة ولا التّشجيع على أطروحات رجعيّة بدأت تكتسح الجامعات طيلة عشريّة اكتسَحَنا فيها الجراد.

هيثم عويشي خلال لقائه بالدكثورة بسمة بن سليمان

* هل وقع إهمال الجانب الأكاديمي وكفاءتك العلميّة خلال المقابلة؟

- لا أظنّ أنّ ملفّي قد دُرس بالحدّ الأدنى من الحرص على مراعاة مصلحتي باعتباري متناظرة ولي حقوق معنويّة وعلميّة. إذ لم يتمّ مناقشة أفكاري ولا أطروحاتي، ولا أعمالي البيداغوجية. وكأنّ شخصيّتي ومسيرتي قد اختُزلت في التحيّل والانتحال وانعدام الأمانة العلميّة. وفي ذلك مغالطة صارخة وتجاوز لقانون المناظرة.

* قرّرت خوض عدّة خطوات نضاليّة واحتجاجيّة؟ كيف ستكون أشكالها؟

- خرجت نتيجة المناظرة ليلة رأس السّنة وهو توقيت لم يراع حرمة أسرنا ولا طبيعة المناسبة، ولم يراع مشاعر الإحباط والغضب والقهر الّتي قد تعترينا فتنغّص علينا وعلى أبنائنا فرحة العام الجديد. وكأنّ في ذلك رسالة واضحة وهي أنّ الاحتفال برأس السّنة "موش متاعنا" وهذا ليس بغريب على وزارة تمّ تلغيمها زمن النّهضة بالأتباع والموالين. أرادوا أن يضعونا أمام الأمر الواقع" أشرب وإلاّ طيّر قرنك". نتيجةٌ خرجت قبل يومين من مباشرة الناجحين للعمل الجديد. من الواضح أنّ هناك نيّة لإحباطنا ولإفشال أيّ محاولة. ولذلك قرّرت سريعا وفي خطوة أولى الدّخولَ في إضراب جوع لإسماع صوتي وتحريك السّواكن ولفت انتباه الرأي العام والإعلام، وأطلقت صيحة فزع عبر فيديو على مواقع التّواصل الاجتماعي. أما الخطوة الثانية فهي القيام بالإجراءات الإدارية والقانونية الضرورية منها المطالبة بحق النفاذ إلى المعلومة، ومطلب في الاعتراض على النّتيجة، وطلب في مقابلة رسمية مع اللّجنة لتبرير النتيجة وتقديم تقرير كتابيّ فيها. وأنا حريصة في كلّ هذا أن لا أبحث عن الخلاص الفرديّ بل أن تكون حركتي دافعا لفتح ملفّ الانتدابات الّذي يشوبه ما يشوبه من إخلالات وأمور يندى لها الجبين.

* ردّة فعلك حين علمت أنّ هناك أسماء متّهمة بالسّرقة الأدبية وقع قبولها، وأسماء أخرى نجحت بالمحاباة؟

- إنّها سخرية الأقدار فالرّاعي ترك الذّئب طليقا واتّهم الشّاة بأكل الخراف..أمّا فيما يتعلّق بالمحاباة فهذه مأساة بأتمّ معنى الكلمة تُفقد عمليّة الانتداب نُبلها وتضعها في خانة الوضاعة. مع وجود استثناءات فهناك من نجح وهو جدير بالنّجاح.

* اقتصرت هذه المظلمة عليك أنت فقط أم هناك أسماء لأساتذة آخرين؟

- لا يمكن أن تكون مقتصرة عليّ بل هناك أسماء أعتبرها قد ظلمت أكثر منّي فقد تمّ إقصاؤها أكثر من مرّة بإضمار مسبق والجامع بيني وبينها أنّ نظرتنا للأمور ليست ماضويّة. إذ نشتغل حول قضايا جامعة رغم اختلاف الاختصاصات منها قضايا الجندر والعورة والجسد ونقد التّراث بما يساعد على التّحديث والنّظر صوب المستقبل.

 

 

آخر الأخبار

سكتة دماغية تحول حياة امرأة بريطانية: متلازمة 'اللهجة الأجنبية' تمنحها لهجة إيطالية وقدرة على التحدث بها

سكتة دماغية تحول حياة امرأة بريطانية: متلازمة 'اللهجة الأجنبية' تمنحها لهجة إيطالية وقدرة على التحدث بها

الهيئة الوطنية للسلامة الصحية: حجز 7 أطنان من المواد الغذائية في حملات رقابية واسعة

الهيئة الوطنية للسلامة الصحية: حجز 7 أطنان من المواد الغذائية في حملات رقابية واسعة

الطفولة المهددة داخل جدران الأمان: صراع بين الحماية والانتهاك

الطفولة المهددة داخل جدران الأمان: صراع بين الحماية والانتهاك

البرد القارس يحصد أرواح الرضّع في غزة: معاناة بلا نهاية في خيام النزوح

البرد القارس يحصد أرواح الرضّع في غزة: معاناة بلا نهاية في خيام النزوح

الأمطار تعيد الحياة للسدود التونسية: نسبة امتلاء تصل إلى 22.3% وتوقعات بمزيد من الغيث النافع

الأمطار تعيد الحياة للسدود التونسية: نسبة امتلاء تصل إلى 22.3% وتوقعات بمزيد من الغيث النافع

Please publish modules in offcanvas position.