تصنف تونس ضمن الدول التي تعاني شحًّا في المياه، إذ سجلت حصة الفرد أقل من 500 متر مكعب من المياه سنويًا، مقارنة مع 700 متر مكعب كمتوسط عالمي، وهو ما تعتبره بعض المنظمات غير الحكومية التي تشرف على دراسة استغلال الماء في تونس، معدلا ضعيفا.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن معدل الموارد المائية للفرد الواحد في انخفاض متواصل، على أن يصل إلى أقل من 350 مترا مكعبا في السنة مع حلول عام 2020 نتيجة ارتفاع نسق الاستهلاك وتراجع منسوب المياه المخزنة.وقد أدت العديد من العوامل البشرية والطبيعية إلى التأثير المباشر على مصادر المياه حيث بتنا نعيش استنزافا لثرواتنا المائية، وقد يكون ذلك شاملا لدول المنطقة، إلا أنه وجب أخذ الاحتياطات لتفادي المزيد من النقص. وفي هذا الإطار شرعت بلادنا منذ سنوات في تنفيذ توجه استراتيجي يعتمد على تحلية مياه البحر..
وتفيد الأرقام والمؤشرات أن بلادنا تصنف من الدول تحت معدل الفقر المائي حيث يبلغ المعدل العالمي 1000 متر مكعب كل عام، في حين يصل المعدل السنوي لكل مواطن تونسي 460 متر مكعب ومن المنتظر أن ينخفض في سنة 2030 إلى 350 متر مكعب.
وتونس أيضا حسب آخر الأرقام من البلدان التي تعاني من نقص المياه على مستوى الجودة في بعض الجهات وخاصة منها الداخلية بسبب ارتفاع الطلب ، مما أدى إلى تراجع الواردات إضافة إلى حالة الجفاف التي تضرب البلاد في السنوات الأخيرة.
حل مشكل المياه
تم منذ سنوات رسم توجه استراتيجي يتمثل في استكشاف مجالات جديدة لحل مشكلة النقص في المياه وتلبية الطلب المتزايد للمساهمة في التنمية السياحية وتوفير احتياجات المواطنين واعتمدت تحلية مياه البحر كآلية لترشيد استهلاك مياه الشرب والمحافظة على الموارد المائية ، ويشهد الطلب المتزايد على المياه لتزويد المناطق الحضرية بالمياه انخفاضا في كمية المياه العذبة وزيادة في إنتاج مياه الصرف الصحي، كما يستخدم الفلاحون كميات هائلة من المياه العذبة لري المحاصيل خاصة أثناء فترات الجفاف المتزايدة مما يؤدي إلى استهلاك مصادر المياه واستنزاف المياه الجوفية وارتفاع نسبة ملوحتها.
ووفق تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لا يزال العطش يمثل أحد أبرز أسباب الاحتجاجات، خاصة في المناطق الحدودية والمناطق المعزولة ، حيث تكاثرت ظاهرة قطع المياه في السنوات والأشهر الفارطة بعدد من الولايات والمعتمديات على غرار قفصة والقصرين والكاف وجندوبة وصفاقس والمهدية.
ويشير نفس التقرير إلى أن نسبة النقص في المياه بالجنوب الغربي من تونس تبلغ 5% أما في حالة تسجيل سوء تصرف في شبكة التوزيع فنسبة النقص يمكن أن تصل إلى 50% في بعض المناطق المرتفعة حيث يعيش بعض السكان على مرتفعات تصل إلى 700 متر في طبرقة والتي يصعب إيصال الماء إليها وتصل تكلفة نقله مبالغ مرتفعة للغاية. كما تبلغ تلك النسبة في صفاقس والمهدية 7% وإذا لم يتم التدخل العاجل لحل مثل هذه الأزمات فسيشعر المواطن بالنقص الذي قد يرتفع إلى نسبة 20 و30 بالمائة.
ويجمع أغلب الخبراء أن تونس يمكن أن تصبح قطبا عالميا في مجال تحلية المياه في حالة نجاحها في إرساء صناعة لمكونات توفير الطاقة الشمسية بأسعار تنافسية حيث أن 45 % من سعر كلفة التحلية يخصص للطاقة، أي تحلية مياه البحر عبر الطاقة الشمسية، حيث أن صناعة الماء تتفرّع عنها أنشطة عديدة..وحول هذا الموضوع تقول أمل بن رحيم مسؤولة الإدارة البيئية بأحد فنادق مدينة الحمامات، المليئة بملاعب الصولجان، أن إدارة الفندق اتخذت منذ إنشائه تدابير للحد من استهلاك المياه العذبة.
وتابعت بأن الفندق يمتلك محطة خاصة به خاصة بالماء المستهلك من رواد الفندق «مياه الصرف» وتقوم بإعادة تدويره لاستخدامه في ري المساحات الخضراء، كما يتبع الفندق توجيه حزمة من الإرشادات لرواده تطالبهم بترشيد الاستهلاك.
وأضافت الخبيرة في البيئة أن اتفاقا أبرم بين الفندق والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة لتركيب أجهزة خاصة بتقليل استهلاك المياه في صبابات المياه في كل مكان داخل المطابخ والغرف وأماكن الترفيه.
شح المياه
وفي السياق ذاته يرى الخبراء في الاقتصاد انه من المرجح أن تواجه بلادنا في المدى المتوسط خطر فقدان استقلالية الموارد المائية بشكل كامل وذلك راجع أساسا لشح الموارد المائية في تونس وارتباطه بعدم تفعيل آليات الحوكمة الرشيدة وغياب التعامل الصحي مع مياه الصرف الصحي والاستمرار في اعتماد أساليب تقليدية في الري.
وتشير مختلف الأرقام والمعطيات اليوم الى تفاقم الأزمة المائية في تونس والبلدان العربية بما من شأنه أن يؤثر بصفة مباشرة على المواطنين ويخلق مناخا من الاحتجاجات وتنامي الإحساس بالخوف وعدم الأمان من بروز أزمة في التغذية ومزيد ارتفاع في معدلات الفقر حيث نجد أن 65% من المناطق العربية تعيش على التبعية المائية لدول أخرى ونسبة بناء السدود في منطقة شمال إفريقيا لا تتجاوز سدا واحدا كل 15 عاما وأن كل 100 ألف نسمة توفر لها محطة معالجة واحدة وفي المقابل نجدها منعدمة في مناطق أخرى.
ضعف الرقابة
ويرى مختصون في مجال إدارة موارد المياه بتونس، يرون من جهتهم أن هناك مشكلة خطيرة اليوم تتمثل في الرقابة الضعيفة من السلط المعنية على حفر الآبار «الخاصة» واستخدامات المياه الجوفية وانعدام قياس مستويات الآبار مما أدى إلى تفاقم الوضع.
كما أن الاستغلال المفرط للمياه في المناطق السياحية دون تخطيط علمي ، قد يؤدي إلى انخفاض جودة المياه وارتفاع تكاليف المياه وانخفاض الإنتاج الزراعي والتصحر بما من شأنه أن يتسبب في تفاقم ظاهرة النزوح من المناطق الريفية إلى المدن.
وعن استهلاك المياه الجوفية في تونس وإمكانية استهلاكها في المنشآت السياحية يؤكد الخبراء أن حجم المياه الجوفية تقدر بحوالي 45% من مجموع الموارد التونسية، ولا يمكن الضغط عليها أكثر لأنها تضمن المخزون الاستراتيجي لمياه الشرب ومياه الري في نفس الوقت.
ويرون أن ارتفاع معدلات استغلال المياه الناتج عن تحسن مستوى العيش في أغلب المدن والمناطق الحضرية والريفية يقابله تدن لنوعية المياه والكمية، خاصة في الوسط والجنوب التونسي، على غرار ولايات القيروان وسيدي بوزيد والقصرين وقفصة، وذلك لارتباطها بصورة مباشرة بكميات الأمطار، ناهيك أن هذه المناطق عرفت في السنوات الأخيرة فترات من الجفاف مما أثر في المياه في هذه المناطق.