خبراء تونسيون يبدون مخاوفهم من عدم استدامة أسعار صرف العملة المحلية في مستوياتها الراهنة، نظرا إلى ارتباطها بعدة عوامل متداخلة توهم بأن الاقتصاد ينمو.
شكّك اقتصاديون في قدرة الدينار التونسي على البقاء في مستواه المرتفع الذي حققه خلال الأشهر الماضية أمام العملات الأجنبية الرئيسية، في ظل الغموض، الذي تفرضه الانتخابات التشريعية والرئاسية على الاقتصاد الباحث عن محفزات قوية تبعده عن مربع الأزمة نهائيا.
تونس- اعتبر خبراء أن الارتفاع المثير للجدل لقيمة الدينار التونسي في الآونة الماضية أمام اليورو والدولار من شأنه أن يقدّم دعما ملتبسا لاقتصاد البلاد الهش.
ويبدي كثيرون مخاوف من عدم استدامة أسعار صرف العملة المحلية في مستوياتها الراهنة خلال الفترة المقبلة، نظرا إلى ارتباطها بعدة عوامل متداخلة توهم بأن الاقتصاد ينمو.
ولكن البنك المركزي يبدو أنّ لديه رأيا آخر، خاصة وأنه لم يعلن عن أي معلومات تشير إلى أنه تدخل في سوق الصرف لكبح انهيار العملة.
وقال محافظ المركزي مروان العباسي بعد لقاء مع الرئيس المؤقت محمد الناصر الخميس الماضي إن “العملة المحلية تشهد تحسنا تدريجيّا رغم الصعوبات الاقتصاديّة والمالية التي تواجه البلاد”.
وجدّد العباسي الدعوة للفاعلين الاقتصاديين إلى مزيد من تضافر الجهود والعمل على رفع مستوى الإنتاج لزيادة نسبة النمو في تونس. ولفت تعافي سعر صرف الدينار الأنظار بعد سنوات من التراجع رغم عدم تحسّن العديد من المؤشرات المرتبطة به وفي مقدمتها الميزان التجاري، وصعود الاحتياطات الأجنبية التي تبلغ نحو 5.43 مليار دولار فقط.
وشهد الدينار خلال الفترة الماضية ارتفاعا في قيمتها في السوقين الرسمية والسوداء بنحو 2.2 بالمئة أمام اليورو، ونحو 3.4 بالمئة أمام الدولار تباينت أراء معظم المحللين حول أسبابها.
وبلغ سعر صرف الدولار في تعاملات أمس 2.88 دينار، مقارنة مع 3 دنانير لكل دولار مطلع العام الجاري، بينما بلغ سعر صرف اليورو 3.2 دينار، مقارنة مع 3.44 دينار في بداية العام. وفسّر خبير اقتصاد، تعافي العملة التونسية، بأنه ظرفي وهو يعطي انطباعا بأن هناك تحسّنا هيكليا في أساسيات الاقتصاد التونسي وهي النمو وتوفير فرص العمل والعجز التجاري.
ونسبت وكالة الأناضول للاستشاري المالي التونسي محمد الصادق جبنون قوله إن “ما سمّي بالتحسّن في الدينار هو ارتفاع نسبي يعود لمناورة تقنية قام بها البنك المركزي التونسي”. وأوضح أن هذه المناورة تمثل الارتفاع في سقف السيولة النقدية في السوق ما جعل نسبة العملة الصعبة الخارجة من تونس أقل، وبالتالي الطلب على العملة تراجع.
ويرى الخبير أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي ومرحلة الانكماش، التي انطلقت من إيطاليا، ووصلت إلى الصناعة الألمانية في الربع الأخير من 2018، جعل اليورو ينخفض. وقال إن “الدينار استفاد من هذه الظرفية مع تحسّن العائدات السياحية بصفة نسبية، ولقد رأينا بالتالي استقرارا على مستوى سعر الصرف”.
وأكد جبنون أن صندوق النقد الدولي يحذّر من هذه السياسة، التي لا يرافقها نمو حقيقي للاقتصاد، لأنه توجد مخاطر في ما بعد على استقرار العملة إذا لم تتحسّن محركات الإنتاج والتصدير.
وحملت بعثة صندوق النقد الدولي لتونس الشهر الماضي في طياتها تحذيرات من مخاطر محتملة قد تعيق تعافي الاقتصاد التونسي، بسبب ارتفاع أسعار صرف الدينار والنفط في الأسواق الدولية.
وقال رئيس البعثة بيورن روثر خلال مؤتمر صحافي جمعه بالعباسي حينها إن “ارتفاع سعر الدينار وزيادة أسعار النفط وتباطؤ النمو لدى شركاء تونس التجاريين الرئيسيين سيؤثر على المالية العامة والحساب الجاري الخارجي، رغم تحقيق السياحة لأداء فاق التوقعات”. وحاليا لا يمكن الجزم باستدامة تحسّن قيمة الدينار فهو رهينة سياسة المركزي، ومواصلتها من عدمها رهين قرار من مجلس إدارة البنك.
ويؤكد الخبير رضا الشكندالي أن قيمة الدينار تتحدد بالعرض والطلب على العملة باليورو والدولار في أسواق الصرف أو حتى في الأنشطة التجارية. وفسّر ذلك بالقول “إذا كان دخول العملة كبير، القيمة تتحسن، وإذا كان دخول للعملة قليل والخروج أكثر، قيمة الدينار تتراجع”.
ولفت إلى أن التحسّن طفيف، وتزامن مع أحداث دخول عملة صعبة لتونس، وهو ليس قادم من أساسيات الاقتصاد التونسي، بل هو سيولة بالنقد الأجنبي دخلت البلاد أبرزها من صندوق النقد، وقرض حصلت عليه الشركة التونسية للكهرباء والغاز مؤخرا.
ورغم تحسن مؤشرات السياحة والزراعة وهي قطاعات مرتبطة بالظروف المناخية أو العالمية، لكنها لم تكن السبب الحقيقي لتعافي الدينار. وأكد الشكندالي أن هذا التعافي في قيمة الدينار، يمكن أن يتواصل طالما هناك قروض ولكن سيتهاوى، إذا ما انتهت هذه التعاقدات على القروض.