لبنان بدأ يستشعر متأخرا خطر جبال الدين العام وتداعياته المحتملة بعد أن بعث اقتصاديون بإشارات سلبية تحذر من آثار كارثية ما لم يحدث تغيير جذري في هذا الوضع.
قفزت تكلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي أمس، بعدما حذّر الرئيس ميشال عون من مغبّة ما يمكن أن تفرضه المؤسسات الدولية من إجراءات مالية قاسية، ما لم يتم تقديم تضحيات لإنقاذ بلاده من أزمتها الاقتصادية المزمنة.
بيروت- أظهرت بيانات آي.إتش.إس ماركت أمس أن عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات ارتفعت إلى مستوى غير مسبوق عند 990 نقطة أساس، بزيادة 33 نقطة أساس عن إغلاق الخميس.
ويأتي التحرك المفزع لمؤشر الديون اللبنانية بعد أن أثار الرئيس ميشال عون احتمال اضطرار بلاده إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي إذا لم تثمر جهود الإصلاح، التي تبذلها الحكومة عن تحسن المالية العامة للدولة بالقدر الكافي.
وبدأ لبنان يستشعر متأخرا خطر جبال الدين العام وتداعياته المحتملة بعد أن بعث اقتصاديون بإشارات سلبية تحذر من آثار كارثية ما لم يحدث تغيير جذري في هذا الوضع وبالسرعة المطلوبة، لنفض غبار الخراب المخيّم على الاقتصاد.
وارتفاع تكلفة تأمين الانكشاف على ديون لبنان هو الثاني في أقل من شهر، بعد أن قفزت 17 نقطة أساس في العاشر من يوليو الماضي، بالتزامن مع انخفاض السندات السيادية المقومة بالدولار بعد يوم من فرض الولايات المتحدة عقوبات على حزب الله المدعوم من إيران.
ووصلت مستويات تداول عقود إعادة الائتمان على ديون لبنان حينها إلى مستويات شهر يناير الماضي، والتي تسبب في ارتفاعها في ذلك الوقت تصريحات مسؤولين رسميين في ما يتعلق بـ”إعادة هيكلة الدين”.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات على عضوين في مجلس النواب اللبناني يمثّلان حزب الله هما أمين شري ومحمد رعد، إضافة إلى المسؤول الأمني في الحزب وفيق صفا.
ويعاني لبنان من أحد أثقل معدلات الدين العام في العالم والبالغ أكثر من 85 مليار دولار وهو ما يعادل 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب انخفاض معدل النمو الاقتصادي على مدى أعوام. وزادت الحاجة لتطبيق إصلاحات تأجلت لمدة طويلة، وذلك في ظل تباطؤ الودائع في القطاع المصرفي، وهي مصدر مهمّ لتمويل الدولة.
وانكمشت الودائع قليلا في الشهور الخمسة الأولى من العام، كما تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي على الرغم من أنها لا تزال كبيرة نسبيا مقارنة بحجم الاقتصاد. وقال عون إن لبنان يمرّ بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية قاسية “لكنّنا قادرون على تجاوزها وإنقاذ الوطن من براثنها إذا عقدنا العزم على ذلك”.
وأضاف “التضحية المرحلية مطلوبة من كل اللبنانيين دون استثناء لتنجح عملية الإنقاذ، فإن لم نضح اليوم جميعا ونرضى بالتخلي عن بعض مكتسباتنا فإننا نخاطر بفقدها كلها حين يصبح وطننا على طاولة المؤسسات الدولية المقرضة، وما يمكن أن تفرضه علينا من خطط اقتصادية ومالية قاسية”.
واعتمدت الحكومة موازنة 2019 التي صادق عليها البرلمان الشهر الماضي بعد أسابيع من الشد والجذب، تهدف إلى خفض العجز الكبيرة فيها إلى الناتج المحلي الإجمالي. وقال صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي إن العجز سيكون أعلى بكثير من الهدف الذي حددته الحكومة وهو 7.6 بالمئة من أكثر من 11 بالمئة في الموازنة السابقة.
وشملت الميزانية إجراءات مثل تجميد التعيين الحكومي لمدة ثلاثة أعوام. لكن تم رفض أفكار أصعب مثل خفض رواتب العاملين في القطاع العام. ويقول منتقدون للحكومة إنها تجاهلت المشكلة الرئيسية وهي الفساد.
وتشمل إجراءات خفض العجز الرئيسية زيادة الضرائب على فائدة الودائع المصرفية والسندات الحكومية وضريبة جديدة على الواردات وخطة لخفض تكاليف خدمة الدين، وإن كان لم يتضح كيفية تحقيق ذلك.
وأثناء مناقشة الموازنة أكد وزير المالية علي حسن خليل خلال جلسة برلمانية أن لبنان يحتاج إلى خطة لإدارة دينه العام الضخم تتيح فرصة “لتحرير الموازنة العامة من عبء تراكم قاتل للدين وخدمة الدين”. وقال إن الحكومة “ملتزمة بوضوح بخفض تكلفة الدين العام بالقدر المحدد في مسودة الموازنة” الجديدة، التي لا تزال أمام نواب البرلمان.
وأوضح أنّ مثل هذه الخطة ستحتاج إلى أن تناقشها كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة ومصرف لبنان المركزي والبنوك التجارية. وأضاف إن “هذا الأمر يستدعي حوارا حكوميا.. حوارا بين الحكومة والمجلس.. حوارا يشترك فيه مصرف لبنان وتشترك فيه المصارف وهذا أمر حصل ويحصل”.
ولم يقدّم خليل تفاصيل بشأن أي إجراءات يأمل بأن تشملها مثل تلك الخطة، لكنه توقّع أن تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي للبنان نحو 151 بالمئة بنهاية العام الجاري. وأيّد محافظ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة مساعي الحكومة لخفض تكاليف خدمة الدين العام في الموازنة، لكن لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بشأن كيفية تنفيذ ذلك.