الرهبان يشرفون على مصنع ملابس وأحذية وحافظات أقلام وحتى قوارب.
ليست كل النفايات مقرفة وذات رائحة كريهة فذلك يعود الى طريقة فرزها، ثم إن تجارب عديدة في مختلف دول العالم أثبتت أن بقايا البلاستيك يمكن تدويرها لصنع أشياء مفيدة مثل ديكورات المنازل والحدائق، ومن خلال مبادرة فريدة قام معبد تايلاندي ببعث مصنع للملابس والأحذية من البلاستيك الذي يتم التبرع به.
ساموت براكان (تايلاند) – يستطيع زائرو معبد “وات تشاك داينج” التايلاندي، الذي يوجد في موقع متواضع على بعد نحو 30 كيلومترا من العاصمة بانكوك، الإعراب عن احترامهم للرهبان وتماثيل بوذا، كما هو الحال في أي معبد آخر.
ولكن على عكس المعابد الأخرى، يمكن للزوار أيضا مناقشة إجراءات الحفاظ على البيئة مع الرهبان الذين يرونهم وهم ينظفون النفايات البلاستيكية بمحلول إنزيم سائل صنع داخل المعبد.
يقول فرا تيباكورن أريو، وهو راهب كبير في معبد “وات تشاك داينج”، يبلغ من العمر 56 عاما، “لا ينشأ الناس لتكون لديهم روح تهتم بالمواطنين أو بالبيئة. إننا في حالة يبحث فيها الجميع عن أسرهم فقط”.
وأضاف “ما يمكننا فعله هو أن نعلمهم كيف يعون ما يفعلون عبر غرس الشغف بمسألة ما فيهم”.
وقد أصبح معبد “وات تشاك داينج”، الذي يعد من الناحية التقليدية مدرسة للرهبان البوذيين، معروفا بجهوده الكبيرة في مجال إعادة التدوير.
ويضم المعبد، قرب مدخله، مصنعا كبيرا لمعالجة نفايات البلاستيك، حيث يقوم متطوعون بفرز النفايات التي تأتي كتبرعات.
محاولة إعادة التدوير الخاصة بالمعبد ليست مفيدة للبيئة فحسب، بل أدت أيضا إلى توفير وظائف للسكان المحليين
وأوضح فرا تيباكورن “التصور المعتاد للقمامة هو أنها عفنة وذات رائحة كريهة، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك إذا ما قمنا بفرز ما نتخلى عنه، كما أن المواد البلاستيكية ليست قمامة لأنه من الممكن استخدامها، إن ما يعتبره الناس قمامة عبارة عن أشياء تتعفن بوضعها معا”.
ولعل المشروع الأهم في المعبد في هذا الإطار، هو استخدام المواد البلاستيكية المهملة لصنع ملابس برتقالية للرهبان.
ونشأت الفكرة قبل حوالي ثلاثة أعوام، عندما جلس راهب من المعبد مع رجل قال إن قميصه مصنوع من البلاستيك، فسأل الراهب عما إذا كان من الممكن صنع ملابسه من نفس المادة أيضا.
وتشمل هذه العملية إرسال المواد البلاستيكية التي يتم التبرع بها للمعبد، إلى مصنع يقوم بإدخالها في النسيج حتى يمكن استخدامها لصنع الملابس.
وبرزت مشكلة نفايات البلاستيك في تايلاند بعدما سلط الإعلام الضوء عليها في السنوات الأخيرة، عبر تقارير عن نفوق الكائنات البحرية بسبب هذه النفايات.
ووفقا لمنظمة “السلام الأخضر”، تعتبر تايلاند واحدة من أكبر دول العالم من حيث كمية النفايات التي يتم التخلص منها في مياه المحيطات، والتي يشكل البلاستيك 50 بالمئة منها.
وبحسب وكالات حكومية، وصل حجم النفايات المنزلية في تايلاند إلى 27.4 مليون طن في عام 2017، وقد تمت إعادة تدوير أو إعادة استخدام أقل من ثلث هذه الكمية.
ويحذر علماء البيئة من المستويات المرتفعة التي بلغها التلوث البلاستيكي خلال السنوات الأخيرة، بعد أن سجلت رواسب البلاستيك في الأرض نسبة قياسية، وهذا ما قد يؤدي، بحسب العلماء، إلى دخولنا في حقبة قد تسمى لاحقا بـ”العصر البلاستيكي”.
فبعد العصور البرونزية والحديدية، قد تصبح الفترة الحالية معروفة باسم العصر البلاستيكي. وفي هذا الإطار قالت جينيفر براندون من معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو “درسنا جميعا عن العصر الحجري والعصر البرونزي والعصر الحديدي فهل سيعرف هذا العصر الذي نعيشه بالعصر البلاستيكي؟ إنه أمر مخيف أن نترك هذا للأجيال القادمة”.
وليست محاولة إعادة التدوير الخاصة بالمعبد مفيدة للبيئة فحسب؛ ولكنها أدت أيضا إلى توفير وظائف للسكان المحليين القريبين، تمتد من فرز البلاستيك إلى حياكة ملابس الرهبان، حيث يحصل الواحد منهم على نحو 300 بات (10 دولارات) يوميا مقابل ما يقوم به من أعمال.
وقالت سوباب تيباوان، التي تبلغ من العمر 65 عاما، إنها تذهب إلى المعبد ستة أيام في الأسبوع لحياكة ملابس الرهبان، وذلك منذ أن تقاعدت من وظيفتها في صناعة الملابس بأحد المصانع.
وأضافت “الذهاب إلى المعبد يمنحني شيئا لأقوم به، ويخفف العبء عن ابنتي التي ترسل لي المال بصفة شهرية”.
وليست ملابس الرهبان المنتج الوحيد الذي ينتجه معبد وات تشاك داينج، فمن خلال العمل مع عدد من الشركات، تُستخدم النفايات البلاستيكية الخاصة بالمعبد أيضا في صناعة حافظات الأقلام والأحذية والقوارب، وحتى سقيفة مصنوعة بالكامل من زجاجات الحليب البلاستيكية.
وخلال عطلات نهاية الأسبوع العادية، يستقبل المعبد المئات من أتباعه الذين يرغبون في التعرف على جهود إعادة التدوير الخاصة به.
ولفت التركيز الفريد للمعبد في الحفاظ على البيئة، والذي بدأ في عام 2005، انتباه الشركات والمنظمات غير الربحية، وحتى المشاهير في تايلاند، الذين يشاركون في فعاليات تقام بالمعبد في إطار مسؤوليتهم الاجتماعية.
ويواصل برنامج إعادة التدوير في المعبد التوسعات، ومن المتوقع أن يجرى إنشاء مركز بحلول نهاية العام لتعليم سبل الحفاظ على البيئة.
ولا يرفض المعبد أي نفايات تأتيه في صورة تبرعات، كما يحث المتطوعون راغبي التبرع على غسل البلاستيك قبل تسليمه إلى المعبد، حتى يقلل ذلك من عبء العمل والحاجة إلى تنظيف النفايات المهملة قبل معالجتها.