استغلال جنسي للأطفال وتبييض الأموال وأنشطة كثيرة غير قانونية في عالم الإنترنت المظلم.
تتعدد الأهداف من الإبحار عبر الإنترنت التي أصبحت تشد أغلب سكان الأرض وتقدم لهم خدمات مختلفة، لكن هناك وجها مظلما للإنترنت لا نستطيع الوصول إليه بمحركات البحث العادية، بل يتطلب مهارات ومعرفة متطورة بعالم الكمبيوتر وتقنياته المتطورة، ففي هذا الجانب الخفي هناك عالم الجريمة والصفقات غير القانونية التي تتم بالعملة المشفرة.
لندن – سلّط ضبط عصابة دولية لاستغلال الأطفال جنسيًا عبر استخدام عملة بيتكوين الافتراضية الأضواء على الاحتمالات المتزايدة لاستعمالها من قبل المجرمين.
وتسعى مجموعة التواصل الاجتماعي العملاقة فيسبوك لدخول ساحة العملات المشفّرة عبر إطلاق عملتها الرقمية “ليبرا”، لكن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أعرب عن معارضته للخطوة، مشيرا إلى وجود الكثير من المخاوف التي لم يُعثر لها على حل بما في ذلك مسألة غسل الأموال.
وقالت مادلين كينيدي من شركة “تشين أناليسيس” للأبحاث، إنه على الرغم من تشديد القواعد وتيقّظ السلطات، لا تزال الأنشطة غير القانونية المرتبطة بالعملات الافتراضية “ملحوظة”.
وجاء في تقرير لـ”تشين أناليسيس” نُشر في يناير أن نسبة 1 بالمئة من التعاملات المالية التي جرت في 2018 باستخدام بيتكوين (العملة المشفّرة الأكثر تداولا) كانت على ارتباط بأنشطة غير قانونية.
1 بالمئة من التعاملات المالية التي جرت في 2018 باستخدام بيتكوين كانت على ارتباط بأنشطة غير قانونية
وتم إنفاق ما يعادل 600 مليون دولار باستخدام عملة بيتكوين عبر الإنترنت المظلم أو ما يعرف بـ”دارك ويب”، التي تضم مجموعة من الشبكات المشفرة والمخفية داخل جزء من الإنترنت حيث تتم المتاجرة بمنتجات ممنوعة بينها الأسلحة والمخدرات ولا يمكن الوصول إليه عن طريق محركات البحث التقليدية.
وبالمقارنة، تقدّر العائدات العالمية جرّاء تهريب المخدرات بعدة مئات المليارات من الدولارات. وتعتقد كينيدي أن استخدام عملة بيتكوين لأغراض مخالفة للقانون مبني جزئيًا على “سوء فهم”.
ولا يمكن مضاهاة سمعة العملة المشفّرة الأشهر في ما يتعلّق بالسرّية، إذ يتم تسجيل جميع التعاملات في قاعدة بيانات عامة لا يمكن تنقيحها يطلق عليها “بلوك تشين” أو “سلسلة الكتل“، لكنها تعد “أكثر شفافية من بعض المنظومات المالية التقليدية وخصوصًا النقدية”، بحسب كينيدي.
وأعلنت السلطات البريطانية والأميركية الأسبوع الماضي عن تفكيك موقع على الإنترنت يروج للاستغلال الجنسي للأطفال كان يبيع مشاهد مصورة لاعتداءات جنسية ضحاياها من الأطفال وتم خلال العملية القبض على 337 شخصًا في 38 دولة.
وقالت وزارة العدل الأميركية إن الموقع مثَّل “أكبر سوق للاستغلال الجنسي للأطفال من حيث حجم المحتوى”، وقد جمع 250 ألف مقطع فيديو كثير منها لم يكن معروفًا حتى ذلك الحين، وتم تنزيلها أكثر من مليون مرة.
وقالت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة، إنّ الاعتقالات تمت في المملكة المتحدة وأيرلندا وأميركا وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسبانيا وجمهورية التشيك وكندا وغيرها.
وأضافت أن عمليات الاعتقال على صلة بموقع كان من أول المواقع التي عرضت بيع “مقاطع فيديو مثيرة للاشمئزاز” باستخدام عملة بيتكوين المشفرة.
وأشار رئيس التحقيقات الجنائية في هيئة الضرائب الأميركية رون فورت إلى أن المحققين حللوا البيانات المسجّلة على “سلسلة الكتل” ونجحوا في التعرّف على هوية الجهات التي أجرت التعاملات المالية باستخدام البيتكوين.
لكن إذا كانت البيتكوين لا تزال العملة المفضّلة لدى المجرمين، إلا أنهم يلجأون حاليا إلى بدائل أقل شفافية على غرار “مونيرو” التي انطلقت عام 2014، بحسب الوكالة الأوروبية للتعاون بين أقسام الشرطة الجنائية في الدول الأوروبية (يوروبول).
وبإمكان مستخدمي مونيرو إخفاء هوياتهم إلى حين حاجتهم للتفاعل مع منصة تسويق مشفّرة أو وضع أموالهم في “محفظة” تعد بمثابة حساب مصرفي للعملات الافتراضية.
وتثير الظاهرة قلق وزارة المالية الألمانية التي نشرت مؤخرا وثيقة حذّرت فيها من أن العملات المشفّرة التي تتيح إخفاء الهويات قد تتحول إلى “بديل حقيقي لبيتكوين”.
وتستخدم مونيرو التي لا يزال رأس مالها أقل بـ160 مرّة من بيتكوين نظاما معقّدا يجعل من تتبع التعاملات المالية “أمراً أكثر صعوبة”.
وقال المحامي لدى “سيمونز أند سيمونز” والمتخصص بأسواق المال إمليين برنارد ألزياس، مع ذلك، إن مراقبتها ليست أصعب من تتبع الكثير من “الشركات الوهمية في الملاذات الضريبية العديدة”.
وقال “لطالما شهدنا ترتيبات قانونية وتقنية لإخفاء التحويلات المالية عن المحاكم”، مضيفًا أن الأموال النقدية وحدها هي التي “لا يمكن تعقبها إطلاقًا”.
وبما أن مونيرو لا تسمح بالحصول على كميات كبيرة من الأموال، يشجّع ذلك المجرمين على تحويل أموالهم وبالتالي استخدام مزودي خدمات خاضعين لقواعد تكافح غسل الأموال.
وبخلاف العملات التي جعلت من إخفاء الهوية أبرز مميّزاتها لدى تسويقها، أعلنت فيسبوك مراراً خلال الأشهر الأخيرة بأن ليبرا ستبقى شفافة وستمتثل لقواعد السلطات.
وأفاد برنارد ألزياس “من الواضح أن ليبرا لن تكون مناسبة لغسل الأموال” رغم أنها ستحتاج على الأرجح بحسب كينيدي لاستخدام محللين في “سلسلة الكتل” “لإرضاء الجهات التنظيمية”.
وأقرّ مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك في وقت سابق بأن العملة الرقمية المخطط إطلاقها ليبرا، هي بمثابة مشروع محفوف بالمخاطر، لكنه سعى إلى طمأنة المشرعين الأميركيين المتشككين بأنها قد تخفض تكلفة المدفوعات الإلكترونية وتفتح النظام المالي العالمي أمام المزيد من الناس.
وانتقد المشرعون الأميركيون على حد سواء فيسبوك لفشلها في اتخاذ إجراءات صارمة ضد استغلال الأطفال عبر الإنترنت والتضليل السياسي، وخروقات البيانات الخصوصية.
وقال العديد منهم، إنهم لا يثقون في فيسبوك بشأن المساعدة في توفير الخدمات المالية لمستخدميها البالغ عددهم 2.4 مليار مستخدم في ضوء الفضائح السابقة.