اختر لغتك

الاقتصاد الموازي في تونس له عدة تحديات وتداعيات على المجتمع والدولة

تحديات وتداعيات الاقتصاد الموازي في تونس على المجتمع والدولة

يعد الاقتصاد الموازي في تونس من الظواهر المعقدة التي تنطوي على العديد من الأبعاد الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، وهو يمثل تحديا حقيقيا للاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة، اذ يتخذ الاقتصاد الموازي شكلا من أشكال النشاط الاقتصادي الذي يتم خارج إطار القانون أو تنظيم الدولة، ويشمل مجموعة واسعة من الأنشطة، بدءا من التجارة غير الرسمية وصولا إلى العمل غير المصرح به، هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تنامت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، ما يجعل من فهم أبعادها ومعالجتها ضرورة ملحة.

مقالات ذات صلة:

معايير ESG بين استدامة الكوكب ومسارات الاقتصاد الأخلاقي

تلالت: تثمين نبتة السمارة نموذج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية

منتدى حواري لدفع التحوّل الاقتصادي في القطاع السينمائي والسمعي البصري بتونس

الاقتصاد الموازي هو، في العديد من الحالات، خيارا فرضته الظروف الاجتماعية الصعبة، فمع تزايد معدلات البطالة خصوصا بين الشباب والخريجين، وجد العديد من الأفراد أنفسهم مضطرين للعمل في القطاع غير الرسمي بحثا عن لقمة العيش، هذا الوضع عكس بشكل صارخ عدم كفاية السياسات العامة في خلق فرص عمل لائقة، خاصة في المناطق الداخلية حيث يعاني الكثيرون من الفقر والتهميش؛ ولكن في نفس الوقت خلق بيئة من الاستغلال، حيث اتسعت فيها فجوة المساواة وازداد تهميش العمال الذين لا يحظون بحماية قانونية أو حقوق اجتماعية، لتصبح هذه الفئات ضحايا لظروف عمل غير عادلة، ومحرومة من الضمانات الصحية والاجتماعية.

من الناحية الاقتصادية، يساهم الاقتصاد الموازي في تحريف الاقتصاد الرسمي ويخلق اختلالات هيكلية، ويتمحور أحد أبرز تأثيراته في تراجع إيرادات الدولة من الضرائب والجمارك، ما يعمق الأزمة المالية في البلاد، كما أن النشاطات غير المصرح بها لا تساهم في تعزيز الكفاءة الاقتصادية الوطنية أو تنمية القطاعات الإنتاجية؛ ومع غياب الإحصائيات الدقيقة حول حجمه، يصعب تحديد مدى تأثيره على النمو الاقتصادي، لكن المؤكد أن تهميشه يحد من إمكانيات التقدم في مجالات الابتكار والصناعة، حيث يكون التوسع في هذا القطاع عادة نتيجة لتغافل الدولة عن تنمية الاقتصاد الرسمي وتطوير آليات الاستثمار.

وعلى الصعيد السياسي، يمثل الاقتصاد الموازي تحديا حقيقيا للحكومات التونسية المتعاقبة في سعيها لضبط السياسات الاقتصادية والمالية، فإلى جانب التأثيرات السلبية على الميزانية العامة، يهدد ايضا استقرار المؤسسات الرسمية وشرعيتها، وتنامي هذا القطاع يعكس ضعف الرقابة الحكومية وفشل السياسات في دمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن المنظومة القانونية؛ كما انه يعزز من سلطة المجموعات غير الرسمية التي قد تتصرف بعيدا عن مبادئ الدولة، مما يزيد من صعوبة تحقيق الحوكمة الرشيدة.

كما وان القوانين التي تحكم الأنشطة الاقتصادية في تونس تعتبر من بين أكثر العوامل التي تقيد نمو الاقتصاد الرسمي وتدفع الأفراد نحو الاقتصاد الموازي، فالإجراءات البيروقراطية المعقدة، إلى جانب النظام الضريبي المرهق والارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج، تدفع الكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى الالتفاف على القوانين والبحث عن ملاذات غير شرعية، وتكمن المشكلة في أن هذه الأنشطة، رغم كونها غير قانونية، توفر فرص عمل وتحفز النمو في بعض القطاعات مثل التجارة والخدمات؛ وهذا يخلق معادلة صعبة جدا فكيف يمكن للدولة أن توازن بين تعزيز الاقتصاد الرسمي والحفاظ على تلك الأنشطة التي تساهم في تأمين قوت المواطنين؟

أما في السياق الثقافي، أصبح الاقتصاد الموازي جزءا من الثقافة الاجتماعية التونسية في بعض المناطق، حيث يعتبر شكلا من أشكال التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة، فالبعض يراه كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، بينما يراه آخرون كمؤشر على ضعف القيم المدنية واحترام القانون؛ هذه التوجهات قد تسهم في تعميق الفجوة بين المؤسسات الرسمية والمواطنين، مما يؤدي إلى انخفاض الثقة في الدولة وقدرتها على توفير حلول فعالة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

ختاما، إن الاقتصاد الموازي في تونس بما يتضمنه من تحديات وفرص، هو ظاهرة معقدة تتطلب معالجة شاملة تتجاوز الحلول التقليدية، فلا يمكن التغاضي عن ضرورة إصلاح الهياكل القانونية والمالية التي تحكم الأنشطة الاقتصادية، بينما يتعين على الدولة أن تسعى إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي من خلال تحفيز الاستثمارات، تبسيط الإجراءات البيروقراطية وتطوير آليات الضرائب، فالتعامل مع هذه الظاهرة لا يجب أن يكون على حساب حقوق المواطنين أو استقرار الاقتصاد، بل يجب أن يهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي لا تترك أحدا وراءها.

آخر الأخبار

رسميًا: دربي العاصمة دون حضور جمهور النادي الإفريقي

رسميًا: دربي العاصمة دون حضور جمهور النادي الإفريقي

ملتقى احتفالية الرواية التونسية بتوزر: إحياء السرد وفتح آفاق جديدة

ملتقى احتفالية الرواية التونسية بتوزر: إحياء السرد وفتح آفاق جديدة

الجامعة التونسية لكرة القدم تنبه أندية الرابطة الأولى بضرورة تسوية ديونها

الجامعة التونسية لكرة القدم تنبه أندية الرابطة الأولى بضرورة تسوية ديونها

انطلاق عروض فيلم "موفاسا: الأسد الملك" في قاعات السينما التونسية

انطلاق عروض فيلم "موفاسا: الأسد الملك" في قاعات السينما التونسية

اختبار المشي لمدة 6 دقائق: أداة بسيطة بمؤشرات صحية متعددة الأبعاد

اختبار المشي لمدة 6 دقائق: أداة بسيطة بمؤشرات صحية متعددة الأبعاد

Please publish modules in offcanvas position.