عزيزي الغاضب، نطمئنك بأنه لم يأتِ بعد من لم يعرف الغضب، فكل إنسان مهما بلغ من الحكمة ومن طولة البال لا بد وأنه مرّ بلحظاتٍ قاهرة جعلته يغضب من شخصٍ ما أو من شيءٍ ما. فالغضب شعور طبيعي وموجود حتماً، لكنه يختلف بتعبيراته أو بدرجاته من إنسان لآخر. فيبدأ من الانفعال البسيط حتى ينتهي بثورة عارمة وغير مضبوطة عند البعض.
ويأتي التعبيرعن الغضب بأكثر من طريقة، وكلٌ حسب طبيعته وتربيته وثقافته ومستواه الفكري والتعليمي. ومهما حاولنا أن نحصي الطرق التي يعبر بها سكان العالم عن غضبهم، كلٌ على حدة فإننا لن نستطع. فهناك من يغضب ويفضّل الصمت مما يدفعه إلى الكبت بداخله وتعرضه لأضرار جسدية، وهناك من يغضب فتخرج منه الكلمات سريعة وغير مفهومة ليشتم من أمامه أو يقول أشياء كان قد أخفاها عن الجميع. ويوجد أشخاص تتطور عندهم الحالة حتى تصل إلى تكسير الأشياء التي أمامهم أو ضرب من تسبب لهم بالغضب، وأحياناً قد تتطور أكثر لتصل إلى حد الإيذاء الجسدي لأنفسهم وفي حالات قليلة الانتحار.
والغضب كأي شعورٍ آخر لا يأتي لوحده، بل ترافقه انفعالات نفسية وفيزيولوجية كثيرة. وأكثر ما يصحبه هو ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدلات إفراز بعض الهرمونات كالأدرينالين وغيرها. ويضاف إلى هذه الأعراض نشوء ألم في الرأس وتوتر في إفرازات المعدة وألم شديد فيها. وفي بعض الحالات قد تصل بعض حالات ونوبات الغضب إلى عدم القدرة على التنفس وزيادة في رجفان القلب وفي بعض الأحيان إلى جلطات ووفيات.
هذا بالإضافة إلى التغيرات الاجتماعية التي قد تحصل نتيجة غضبنا. فكم من شخص خسر عمله أو دراسته أو شخصاً عزيز في حياته، بمجرد لحظة غضب لم يستطع أن يجمح فيها مشاعره الثائرة أو أن يضبط فيها ردات فعله وأقواله.
وكي نحافظ على مكانتنا الاجتماعية علينا أن نبحث عن حلول لمواجهة غضبنا. وأولى هذه الحلول تتمثل بالوقاية من الغضب، فنحن نستطيع أن نحدّ من نوبات الغضب التي تجتاحنا من خلال حدّ التعامل مع أشخاص تكرر إزعاجهم لنا. وكحل فيزيولوجي وقائي ينصح الخبراء بتمارين الاسترخاء، مثل التأمل وعرض بعض تمارين اليوغا على شريط فيديو وتنفيذها أيضاً كونها تساعد في ارتخاء العضلات المتوترة والمشدودة. وأما فيوالتنفس بعمق مع شهيق وزفير طويلين كاعتياد على التفكير وأخذ النفس عند مواجهة أي موقف يستدعي الغضب. وقد أثبتت الدراسات النفسية بأن تكرار كلمات مثل "اهدأ" أو "استرخي" عند التعرض لموقف حرج يساعد على ضبط الأعصاب، فمخاطبة العقل في هذه الأثناء يرجّح عمله على حساب العواطف التي قد تقودك لعمل تندم عليه بقية حياتك. وإن لم تستطع فعل أي مما سبق فاخرج وغيّر المكان، حاول أن تمشي ولتنظر في وجوه الناس في الشوارع والطرقات، لتعلم أنك لست وحيداً في هذا العالم والحياة لا تقف عند موقفٍ مزعج أو مسيء. كما تلعب الموسيقى دورها الساحر في ترويض الجسم والروح الإنسانيين، فاسمعوها كلما شعرتم بالضيق.
قد يذهب البعض عند الغضب إلى تناول فنجان قهوة أو تدخين سيجارة، ومع أن هذا قد يفيد فعلاً في معالجة الغضب وتهدئة حدته، إلا أنه سيفعل العكس في الصحة الجسم وكلنا نعرف مضار الكافيين والتدخين. وهو مثل الذين يتناولون الطعام بكميات هائلة عند أي مشكلة تستدعي الغضب. فالحياة تحمل الكثير من المشاكل والإزعاجات يومياً وإذا ما عالجناها كلها عن طريق التهامنا للطعام، فإننا سنقع في مأزق السمنة والبدانة.
وهكذا فإن العقل هو الحل الوحيد لإنهاء الغضب والحد من تطوراته، لذا روّضوه على الأخذ والعطاء. حتى يصبح مرناً متقبلاً لما قد يواجه.
ميدل ايست أونلاين