اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيكون بداية لاندلاع مواجهة جديدة مع روسيا التي عن نافذة تطل منها على العالم وتعود من خلالها إلى الساحة الدولية.
أزمة جديدة تلوح في الأفق بين روسيا والاتحاد الأوروبي، عنوانها هذه المرة دعم الحركة الانفصالية في إقليم كتالونيا الإسباني. فما إن تمكنت حكومة مدريد من تطويق الأزمة التي أشعلها الاستفتاء الذي نظمته الحكومة المحلية في برشلونة يوم الأول من أكتوبر 2017، ضد رغبة الحكومة المركزية، حتى أثيرت أزمة جديدة بين مدريد وموسكو على خلفية اتهامات لهذه الأخيرة بالتدخل في مساندة الانفصال وترويج معلومات مغلوطة وكاذبة.
أعلنت مدريد أنها ستطرح مشكلة التدخل الروسي خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذي سيعقد في بروكسيل يوم الإثنين المقبل، حيث سيلقي وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس مداخلة أمام نظرائه الأوروبيين يقدم فيها أدلة على هذا التدخل، بحسب ما صرحت به وزيرة الدفاع الإسبانية ماريا دولوريس دي كوسبيداد، التي وجهت الاتهام إلى فنزويلا أيضا بالوقوف وراء ترويج الأكاذيب والإشاعات حول الأزمة بين مدريد وكتالونيا.
وبحسب الناطق باسم الحكومة الإسبانية، إنييغو مانديز دي فيغو، فإن موسكو وكاراكس روجتا معلومات خاطئة الهدف منها الإساءة إلى العلاقة بين سكان إقليم كتالونيا وإسبانيا، والتحكم في توجيه أنظار الرأي العام الروسي والإسباني حول حقيقة ودوافع المطالبة بالانفصال في الإقليم. ومن تلك المعلومات التي ذكرها المسؤول الإسباني أن اللغة الإسبانية لا يتم تعليمها في المدارس الكتالونية، بما يعني أن كتالونيا لا تعترف بهذه اللغة التي تشكل القاسم المشترك بين المناطق المشكّلة لإسبانيا.
واستندت الحكومة الإسبانية إلى دراسة نشرها المعهد الملكي للدراسات (إلكانو)، ومقره في مدريد، حول الحرب الإعلامية الإلكترونية لروسيا ضد الاتحاد الأوروبي من خلال الأزمة في كتالونيا، كمدخل لـ”تفكيك” أوروبا، حسب ما أشارت إليه الدراسة.
ويقول المعهد إن استراتيجية الحرب الإلكترونية شرعت فيها موسكو منذ العام 2014 كنظرية جديدة في الحرب العسكرية لروسيا ضد الاتحاد الأوروبي؛ فإذا كانت موسكو قد جمعت بين الحرب العسكرية الميدانية والحرب الإلكترونية في ساحتين مهمتين بالنسبة لها هما أوكرانيا وسوريا، فإنها قد اتبعت استراتيجية الحرب الإلكترونية تجاه بلدان الاتحاد الأوروبي من خلال الدعاية والشائعات والمعلومات الخاطئة “بهدف الحصول على التأثير وليس التوسع” كما هو الأمر في أوكرانيا وسوريا.
وقالت دراسة المعهد إن روسيا مهتمة بتأجيج مشاعر الانفصال في الاتحاد الأوروبي، حيث قامت بتشجيع الانفصال في مولدافيا وجيورجيا وشرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، مستخدمة شعار “حق تقرير المصير للشعوب”، لكن المفارقة، وفق التقرير، أن روسيا لا تعترف إطلاقا بهذا الحق على أراضيها، والنموذج الأبرز لذلك هو جمهورية الشيشان التي ترفض موسكو الاعتراف باستقلالها وانفصالها عن الفيدرالية الروسية، ودخلت في حروب طويلة من أجل منعها من حق تقرير مصيرها.
واتهمت الدراسة الحكومة الروسية بالوقوف وراء ترويج العديد من المعلومات الخاطئة والنزول بثقلها في يوم الاقتراع للتصويت على مقترح الاستفتاء في الأول من أكتوبر الماضي، عبر قناتها التلفزيونية “إر تي” ووكالة سبوتنيك العالمية.
ومن أبرز تلك المعلومات الخاطئة التي أقلقت الحكومة الإسبانية والاتحاد الأوروبي علامات تشير إلى البلدان التي تعترف بانفصال إقليم كتالونيا، وهي بلجيكا وبريطانيا وإيرلندا وسويسرا والنرويج والسويد وسلوفينيا.
وحسب الحكومة الإسبانية فإن نشر تلك المعلومات المغلوطة كان الهدف منه إقناع المواطنين الأوروبيين بأن استقلال كتالونيا أمر محسوم طالما أن بلدانا من الاتحاد الأوروبي ترحب به. وما أزعج حكومة مدريد أكثر أن تلك المعلومات التي روجتها فضائيات ووكالات ومواقع روسية تم استخدامها داخل إسبانيا من طرف المؤيدين للانفصال، كما استخدمتها الأحزاب الانفصالية في كتالونيا لإقناع الناخبين.
تأتي هذه الأزمة الجديدة بعد سلسلة أخرى من الأزمات السابقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، إذ الواضح أن الأوروبيين باتوا أكثر قلقا من التدخلات الروسية في الشؤون الأوروبية، كما حصل حينما اتهمت ألمانيا موسكو بمحاولة التأثير على الانتخابات فيها، أو على الانتخابات التي جرت في بعض البلدان الأوروبية كفرنسا في مايو الماضي والاتهام الموجه إلى موسكو بدعم أحزاب اليمين القومي المتطرف.
ومن المرجح أن يكون اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل بداية لاندلاع مواجهة جديدة مع روسيا، في وقت تبحث فيه هذه الأخيرة عن نافذة تطل منها على العالم وتعود من خلالها إلى الساحة الدولية.