في عالم تتزايد فيه التحديات المناخية بشكل لم يسبق له مثيل، احتضنت مدينة العلوم بتونس، يوم السبت 30 نوفمبر 2024، فعالية اليوم العالمي للوقاية من الكوارث الطبيعية، هذا الحدث الذي نظم بالتعاون بين مدينة العلوم، الديوان الوطني للحماية المدنية، والجمعية الإفريقية للتنمية الجغرافية المكانية، لم يكن مجرد لقاء عابر، بل كان دعوة صريحة للتأمل والتفكير الجماعي حول سبل مواجهة التهديدات الطبيعية المتزايدة.
مقالات ذات صلة:
تمكين المرأة الريفية: مشاريع جديدة لإدماج النساء في جندوبة وإحياء الأمل بعد الكوارث
صفاقس تعلق الدروس المسائية بسبب التقلبات المناخية: تحذيرات من اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث
فيضانات تجتاح مونتموريون الفرنسية: السكان يواجهون الكوارث بعد الأمطار الغزيرة
ففي ظل تزايد الظواهر المناخية المتطرفة، أصبح الحديث عن الكوارث الطبيعية أكثر من مجرد إحصائيات، فعام 2024 وحده، شهد تأثر ملايين الأشخاص حول العالم بأعاصير مدمرة، فيضانات جارفة، وحرائق غابات لم تترك خلفها سوى الدمار، هذه الأحداث التي لم تفرق بين دول غنية وأخرى نامية، سلطت الضوء على هشاشة الإنسان أمام قوى الطبيعة وعلى الحاجة الماسة إلى اتخاذ تدابير وقائية فعالة.
ولم يكن الهدف من هذا اليوم العالمي مجرد تسليط الضوء على حجم الكارثة، بل كان دعوة للعمل المشترك بين الأفراد، المؤسسات، والمجتمعات المحلية، فالوقاية وإن بدت للبعض خيارا مكلفا، تظل الوسيلة الأكثر فاعلية للحد من الخسائر البشرية والاقتصادية التي تتسبب فيها مثل هذه الكوارث.
اذ حملت قاعة الخوارزمي بمدينة العلوم أجواء مفعمة بالحيوية والنقاش العميق، وتخللت الفعالية ورشات توعوية موجهة للجمهور العام، حيث تمكن المشاركون من التعرف على المخاطر الطبيعية التي تواجه تونس والعالم، في ظل التحولات المناخية المتسارعة، هذه الورشات لم تكن مجرد محاضرات جافة، بل جسدت تجربة تفاعلية حاولت تقريب المفاهيم العلمية للمشاركين، وتزويدهم بأدوات عملية للتعامل مع الكوارث.
من جهة أخرى، أتاحت المؤتمرات والنقاشات التي نظمت خلال اليوم فرصة فريدة للخبراء، الباحثين، والمسؤولين لتبادل الأفكار حول أفضل السبل لمواجهة هذه التحديات، فلم يكن النقاش مجرد استعراض للنظريات، بل انصب على قضايا جوهرية مثل تعزيز البنية التحتية، دعم الفئات الأكثر هشاشة، وتطوير استراتيجيات للتكيف مع الأخطار المستقبلية.
في كلمته الافتتاحية، شدد ممثل الديوان الوطني للحماية المدنية على أن الوقاية ليست رفاهية بل ضرورة ملحة، فهي تبدأ اساسا من وعي الفرد بأهمية اتخاذ خطوات استباقية، لكنها تتطلب أيضا دعما مؤسساتيا وسياسات شاملة تأخذ في الحسبان مختلف أبعاد المشكلة.
بدورها، أكدت ممثلة الجمعية الإفريقية للتنمية الجغرافية المكانية على أهمية البيانات العلمية في مواجهة الكوارث، فمعرفة المناطق الأكثر عرضة للمخاطر الطبيعية، وتحليل الأنماط المناخية المتغيرة، يعتبران حجر الزاوية في أي استراتيجية وقائية فعالة.
ورغم أهمية هذه الجهود، فإن التحديات لا تزال كبيرة، فالتغير المناخي الذي بات واقعا لا يمكن إنكاره، يزيد من حدة الظواهر الطبيعية، ويجعل الكوارث أكثر تكرارا وشدة، وفي هذا السياق تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي، ليس فقط لتقليل الانبعاثات المسببة للتغير المناخي، بل أيضا لتبادل الخبرات والموارد لمواجهة الكوارث.
لكن وسط هذه التحديات، تظل هناك بارقة أمل، فالفعاليات التي تجمع بين العلم، التوعية، والعمل الجماعي، مثل تلك التي شهدتها مدينة العلوم بتونس، تؤكد أن التغيير ممكن، وتبقي دائما الوقاية ليست مجرد شعار بل هي ثقافة ينبغي تعزيزها في كل بيت، مدرسة، ومؤسسة.
انتهت الفعالية، لكن الرسائل التي حملتها لا تزال تتردد في أذهان المشاركين، فالوقاية ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي جهد مشترك يتطلب وعيا من الجميع، ومع تزايد التحديات المناخية، يبقى الأمل في قدرة الإنسان على التكيف، التعلم، والعمل من أجل مستقبل أكثر أمانا.