اختر لغتك

تونس.. اتحاد الشغل ومقدمات الشتاء الساخن

تونس.. اتحاد الشغل ومقدمات الشتاء الساخن

تونس.. اتحاد الشغل ومقدمات الشتاء الساخن

خيارات الشاهد تعبير عن الضرورة المالية والضرر الاجتماعي، ولئن كان من المنطقي التعويل على المانح الدولي كإجراء محدود، فإن وضعه كخيار وحيد تنقصه الحكمة.
 
 
المعارضة الحقيقية لحكومة يوسف الشاهد الجديدة، وللترويكا الثانية الحاكمة لتونس، ليست في البرلمان رغم اتساع مروحة التناقض التشريعي مع الفاعل التنفيذي الموجود في القصبة، ولا في الأحزاب المتهالكة والمتهاوية شرعيا وشعبيا، بل هي موجودة في المنظمة الشغيلة ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل والذي أعلن عن فشل المفاوضات الاجتماعية مع الحكومة، مؤكدا تنفيذ إضراب عام الخميس القادم.
 
تُدرك الحكومة التونسية أن المعارضة البرلمانية والسياسية والحزبية فقدت الكثير من زخمها ومن قدرتها على تحريك الشارع لعدة اعتبارات على رأسها التغيير الراديكالي والوصولي للمواقف والمواقع، وأنّ الفاعل الوحيد المؤهل لإحداث التغيير في المشهد الاجتماعي وفي توازنات القوى السياسية كامن فقط في الاتحاد العام التونسي للشغل.
 
خطاب الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي اتخذ مؤخرا منحى تصاعديا، فمن تنبيه الحكومة من “ثورة الجياع والبطون الخاوية”، إلى “التنويه بأنّ اتحاد الشغل ستكون له كلمة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة”، مرورا بالإشارة إلى وجود غرفة سوداء تدير شؤون الحكم، وليس انتهاء بتوجيه الاتهام لحكومة الشاهد بأنّها ليست سيدة قرارها وأن القرارات تُسقط وتُملى عليها من قبل الدوائر المالية الكبرى.
 
من الواضح أنّ تونس مُقبلة على شتاء سياسي واجتماعي ساخن، ولئن كانت بين التحركات الاجتماعية وشهر يناير قصّة طويلة تمتد على أكثر من أربعة عقود على الأقل، فإن مقدمات التصادم بين الحكومة والفاعل النقابي باتت واضحة وتؤشر إلى تناقض يصعب جسر هوته.
 
في التفاصيل كان البيان الصادر عن صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، بمثابة “نصف نصيحة ونصف تهديد”. النصيحة متجسدة في أنّ خروج خزان التأجير العمومي عن السيطرة قد يضع الحكومة في مأزق اقتصادي اجتماعي، وأما التهديد فكامن في أنّ هذا المسار سيضع الدولة التونسية أمام معضلة استرداد الديون واستعصاء المعادلة بين التعهدات الدولية والإكراهات المحلية أمام المؤسسات النقدية المانحة. كان لهذا البيان، تأثير الكبح وفعل الاستدارة على حكومة الشاهد التي سرعان ما أخذت مسافة حيال وعودها في الزيادات وفي دعم الطبقة المتوسطة التي فقدت في تونس حقيقتها الاقتصادية وباتت اسما على رسم.
 
تسند حكومة الشاهد ظهرها السياسي على الحائط، فالحكومة التي فقدت دعم المنظمة الشغيلة منذ تمزيق وثيقة قرطاج 2 ولم تحصل في المقابل على تأييد اتحاد الأعراف، ولكنها في المقابل وسّعت من المعارضة البرلمانية، لم يعد أمامها من وسيلة لاستكمال مسارها نحو الانتخابات إلا بمزيد الرهان على الفاعل المالي الدولي.
 
قد نختلف في وجاهة اعتماد حكومة الشاهد على المانح الدولي، وقد يتباين التقييم حول السياسات المكرسة لمحاربة الفساد وملاحقة المهرّبين، ولكن خيارات الشاهد هي تعبير عن الضرورة المالية والضرر الاجتماعي، ولئن كان من المنطقي التعويل على المانح الدولي كإجراء محدود في التاريخ والسياسة، فإن وضعه كخيار وحيد ينقصه الكثير من الحكمة والتبصّر.
 
حيال هذا الواقع تحرّكت ماكينة اتحاد الشغل واشتعلت الميادين بذات شعارات ثورة يناير 2011، الأمر الذي دفع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة إلى التصريح بأن لاتحاد الشغل قيمة مركزية ورمزية مهمة في تحقيق التوازن والاستقرار المجتمعيين، ومن الواضح هنا أن واجهة الخطاب هو لقيادة المنظمة الشغيلة، أما وجهته الحقيقية فهي للحكومة بأن لا تقطع مع الاتحاد شعرة معاوية وأن تبقي للصلح بابا ولمبادرات التوافق أبوابا.
 
كلّما تحرّك اتحاد الشغل اهتزت سيقان الكراسي في القصبة وقرطاج، هكذا تعلمنا شواهد الماضي القريب من 1978 إلى 1984، إلى 2008 ومنه إلى 2011، وما يجعلها حاضرة في كافة التحركات الاجتماعية ليس تاريخها النضالي فقط، بل قدرتها على التقاط مقدمات الغضب وقوتها في استباق موجات الاحتقان.
 
 
أمين بن مسعود
كاتب ومحلل سياسي تونسي
 

آخر الأخبار

سكتة دماغية تحول حياة امرأة بريطانية: متلازمة 'اللهجة الأجنبية' تمنحها لهجة إيطالية وقدرة على التحدث بها

سكتة دماغية تحول حياة امرأة بريطانية: متلازمة 'اللهجة الأجنبية' تمنحها لهجة إيطالية وقدرة على التحدث بها

الهيئة الوطنية للسلامة الصحية: حجز 7 أطنان من المواد الغذائية في حملات رقابية واسعة

الهيئة الوطنية للسلامة الصحية: حجز 7 أطنان من المواد الغذائية في حملات رقابية واسعة

الطفولة المهددة داخل جدران الأمان: صراع بين الحماية والانتهاك

الطفولة المهددة داخل جدران الأمان: صراع بين الحماية والانتهاك

البرد القارس يحصد أرواح الرضّع في غزة: معاناة بلا نهاية في خيام النزوح

البرد القارس يحصد أرواح الرضّع في غزة: معاناة بلا نهاية في خيام النزوح

الأمطار تعيد الحياة للسدود التونسية: نسبة امتلاء تصل إلى 22.3% وتوقعات بمزيد من الغيث النافع

الأمطار تعيد الحياة للسدود التونسية: نسبة امتلاء تصل إلى 22.3% وتوقعات بمزيد من الغيث النافع

Please publish modules in offcanvas position.