انتشار الإحباط في المجتمع التونسي جعل الشباب يبحثون عن حل خارج صناديق الاقتراع.
لا ينتهي الجدل في المجتمع التونسي حول الديمقراطية الفتية التي لا تزال تتحسس خطواتها، خاصة أنها جلبت معها وفق تونسيين الفقر والحاجة.
تونس - في تونس، الدولة الديمقراطية الناشئة، يتذكر التونسيون هذه الفترة تيمنا باحتجاجات أصحاب السترات الصفراء في فرنسا ما قاله رئيسهم االباجي قائد السبسي في كلمة ألقاها يوم 20 مارس 2018، بقصر قرطاج على هامش الاحتفال بالذكرى الـ62 لعيد الاستقلال، إن 79.9 بالمئة من التونسيين يشعرون بالإحباط وإن الشباب في المقدمة.
وأضاف السبسي أن تونس بعد الثورة تأخرت في العديد من المجالات. وفي تأكيده على صعوبة الوضع الذي تعيشه البلاد، قارن الرئيس التونسي الوضع الاقتصادي لبلاده قبل الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق بن علي في 14 جانفي 2011، وبعد ذلك، أي خلال السنوات السبع الماضية.
وتذيلت تونس ترتيب الدول العربية في مؤشر السعادة حيث جاءت في المرتبة الثانية عشرة، و102 عالميا.
إن أكثر ما ميز الفعل السياسي في تونس طوال الفترة الماضية طغيان الجانب النظري على الجانب العملي والتنموي وكثرة التنظير والكلام وقلة المردود على أرض الواقع.
يفسر خبراء أن انتشار الإحباط خاصة في صفوف الشباب التونسي بكونه ناجم عن سنوات من الآمال المحطمة.
ويقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية ناجي جلول إن “عددا كبيرا من الشباب التونسي محبط ويريد أن يغادر البلاد بسبب الخطاب العدمي وعدم الثقة في المستقبل”.
من جانبه يرى نوفل اليوسفي رئيس الجمعية التونسية لجودة الحياة والمدرب الدولي والمستشار في التنمية البشرية أن انتشار الإحباط في صفوف التونسيين انعكس أساسا على مستوى تفكير المواطن ووعيه حيث تشوها وأصبحت بوصلته معدلة فقط نحو الأمور السلبية والقاتمة والدليل على ذلك أنه تحوّل إلى مواطن سلبي يقف على الربوة ويكتفي بالنقد والاستهتار والتقزيم ويتكاسل في عمله وفي أدواره.
تنظير نشر الإحباط
يتفق علماء الاجتماع على مجموعة من الخصائص التي تتسم بها الشخصية الشابة، من أهمها: خاصية الرفض والتمرد كما أنها مفعمة بالتوتر والقلق وعدم الاستقرار والحساسية المفرطة لكل ما هو جديد ويتسم الشباب بالرومانسية والخيال والإيمان بالمُثل، إلى جانب الجرأة وحب المغامرة.
ولا يمكن أن تقاس حيوية أُمّة من الأمم، دون اعتبار الشباب معيارًا رئيسًا وثابتًا أساسيًا لهذا المقياس. لا يعني بذلك نسبة وجود الشباب في مجتمع من المجتمعات، أو دولة من الدول، مع الأهمية البالغة لمراعاة تلك النسبة، ولكن يعني نسبة تأثير الشباب في مجتمعاتٍ ودولٍ تمثل صورة الفعل/الحراك الإنساني لهذه الأمم.
وتقول ممثلة الأمين العام لجامعة الدول العربية، رئيس القطاع الاجتماعي في الجامعة نانسي باكير إن الشباب الذين هم في سن 15- 24 يشكلون سدس سكان العالم، وهذه أعداد كبيرة تتطلّب الرعاية والمتابعة، لأن الشباب يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، ونحن نشكل الماضي ونصف الحاضر، وهم ليسوا مشكلة بل هم الحل، ولأن المبدع يمكن أن يساهم في الفكر والإنتاج والعديد من المجالات الأخرى.
ولا يعتبر المجتمع التونسي استثناء إذ يمثل الشباب حوالي نصف التركيبة السكانية في البلاد، والمقصود بالشباب هنا، الفئة العمرية بين 15 سنة و35 سنة.
وتعتبر تونس، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة، دولة فتية ديموغرافيًا حيث تبلغ نسبة الشباب من الفئة العمرية (من 15 إلى 30 سنة) 29 بالمئة من إجمالي السكان وإذا أضفنا إليها الشريحة العمرية من (30 إلى 35 سنة) تتجاوز النسبة الإجمالية للشريحة الشابة الأكثر حراكًا وديناميكية ما مجمله 40 بالمئة من جملة السكان ما يجعلهم القوة الناخبة والمؤثرة الأهم في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد ورغم هذا فإن الدراسات حول المشاركة السياسية للشباب تشير إلى إحباط في صفوف هذه الشريحة وتوجّه عام إلى العزوف عن المشاركة في القرارات الحزبية وعدم ثقة في المشاركة إلى جانب غياب الوعي الكافي بمجريات العملية الانتخابية رغم أن المشاركة السياسية تعتبر أساس الديمقراطية والتعبير الواضح عن مبدأ سيادة الشعب.
وقد ظهرت نتائج سبر آراء قامت به منظمة “أنا يقظ” حول الديمقراطية التشاركية والحوكمة المحلية في تونس أن أكثر من ثلثي الشباب ليس لديهم ثقة في الأحزاب السياسية. وكشفت المنظمة أن 69 بالمئة من الشباب التونسي لا يثقون في الأحزاب.بعد ثورة 14 يناير 2011 كان سقف الأحلام مرتفعا جدا وحجم المطالب عميقا للغاية، لكن بعد سنوات بات السقف هوة عميقة.
يقول رياض جراد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس الناطق الرسمي باسم حملة “السترات الحمراء” في تونس التي تستلهم احتجاجات “السترات الصفراء في فرنسا”، “إن فكرة الحملة راودتنا بعد أن لاحظنا تأثر الشباب خصوصا والشعب التونسي عموما بما يحدث في فرنسا خاصة أن الفرنسيين يعيشون رفاها اقتصاديا واجتماعيا واستقرارا سياسيا مقارنة بالتونسيين الذين يعانون أوضاعا اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة ومتردية”.
وتسعى الحملة التي بدأت في فيسبوك إلى إخراج التونسيين إلى الشوارع للثورة على نظام الحكم الذي استأثر به حزب حركة النهضة وفق جراد.
ولا يعتبر الناطق الرسمي باسم الحملة في تصريحات خاصة بـ”العرب” ذلك انقلابا على صناديق الاقتراع التي أفرزت حكومة منتخبة، مؤكدا أن الحملة هدفها إصلاحي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ويقر المتحدث أن الحملة “تلقى تفاعلا مهما ودعما كبيرا من الشباب التونسي وفئات واسعة من الشعب المفقر والمهمش”.
ويقول المتحدث إن الشباب في تونس قادر على التغيير وذلك يمر حتما عبر ترسيخ الوعي بخطورة الوضع الحالي.
ورغم أن تونس تتحسس خطواتها الأولى في طريق الديمقراطية فإن الناطق الرسمي باسم حملة “السترات الحمراء”، يقول “حسب رأيي ليس هناك أي معنى للديمقراطية دون توفير الشروط الملائمة لها التي تتمثل أساسا في حد أدنى لازم من الرفاه، ثم ليس من الضروري أن نختزل الديمقراطية في صندوق الاقتراع، حيث يمكن ترسيخها بتفويض شعبي على غرار ما حدث في مصر واستلام الرئيس عبدالفتاح السيسي سدة الحكم وهي في اعتقادنا تجربة تدرس اليوم”.
ويعارض شباب تونسيون ما قاله جراد، مؤكدين أن مصر لا تعتبر مثالا يحتذى به فلا هي استطاعت أن تسير على طريق الديمقراطية بما أنها تراجعت خطوات عملاقة إلى الوراء في مجال الحريات ولا هي استطاعت أن تكون دولة رفاه لمواطنيها إذ تضاعفت نسبة الفقر وزاد عدد الفقراء.
ودافع هاشم (35 عاما) على ما حققته تونس قائلا “لقد ذهبت تونس بعيدا في مجال الحريات، يجب أن نصبر لأن بلادنا بلا موارد اقتصادية تذكر شبابها هم ثروتها الحقيقية”.
الديمقراطية قيمة ثابتة
يجمع المنظرون الاقتصاديون والمحللون السياسيون أن الديمقراطية لا تتعايش مع الفقر ولا تتحمله، ولا تجتمع معه تحت سقف واحد. وإذا ما اجتمعا لمدة طويلة فإن هناك خللا ما سيقع والمتسبب فيه هي الديمقراطية لأنها تشمئز منه لكثرة طلباته وشكاياته، بالمقابل تتحايل عليه بكثرة الوعود البراقة التي تنمقها وسائل إعلامها، وخاصة أثناء الاستحقاقات السياسية.
وكثيراً ما يُزعم أن الأنظمة غير الديمقراطية هي الأفضل في تحقيق التنمية الاقتصادية، ويطلق على هذه القناعة أحياناً اسم “فرضية لي كوان يو” نسبة إلى أبرز المدافعين عنها، رئيس سنغافورة وزعيمها الأسبق. وهو محق بالتأكيد في أن بعض الدول التي تفرض أنظمتها بالقوة (مثل سنغافورة والصين) قد حققت معدلات نمو اقتصادي أسرع من دول أخرى ذات أنظمة أقل تسلطاً (كالهند وجامايكا وكوستاريكا). غير أن “فرضية لي كوان يو” تستند إلى تجريبية مشتتة تبني على معلومات انتقائية محدودة أكثر مما تبني على الاختبار الإحصائي للمعلومات المتوفرة. فلا يمكن تأسيس مثل هذه العلاقة العامة بناء على أدلة منتقاة.
والواقع هو أنه ما من دليل عام مقنع على أن الحكم التسلطي وقمع الحقوق السياسية والمدنية مفيد فعلاً للتنمية الاقتصادية.
تبرز أحياناً، في سياق مناقشة هذه الدعوى، الحجج القائلة إن الناس لا يتفقون جميعاً حول الأهمية الحاسمة للديمقراطية، وخصوصاً عندما تدخل في تنافس مع أمور أخرى تحظى بانتباه المجتمع كالرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
والواقع أن ذلك صحيح، وينظر البعض إلى غياب الإجماع بوصفه دليلاً كافياً على أن الديمقراطية ليست قيمة أساسية.
ويقيم بعض من يعارضون مكانة الديمقراطية كقيمة ثابتة حجتهم ليس فقط على غياب الإجماع ولكن على وجود بعض التناقضات. وتتعلق هذه التناقضات المزعومة بالفقر السائد في بعض البلدان. ووفقاً لهذه الحجة فإن الفقراء يهتمون بالخبز وليس بالديمقراطية. إن هذه الحجة الشائعة زائفة على مستويين.
أولهما، هو أن الدور الواقي للديمقراطية قد يصبح بالغ الأهمية بالنسبة إلى الفقراء. فالناس المفقرون اقتصادياً يحتاجون أيضاً إلى صوت سياسي: إن الديمقراطية ليست شيئاً كمالياً يمكنه أن ينتظر تحقق الرخاء العام.
وثانيهما، هو عدم توفر الأدلة الكافية على أن الفقراء إذا ما أعطوا حق الاختيار سيرفضون الديمقراطية.
وبقدر ما تعرضت مقولة أن الفقراء لا يكترثون للحقوق المدنية والأساسية للاختبار، فإن الأدلة المتوفرة تقف تماماً ضد هذه الدعوى، فقد ظهرت حركات واحتجاجات ضد القمع كلما سمحت الظروف بذلك.
إن الحقوق السياسية والمدنية تمنح الناس فرصة استقطاب الانتباه إلى الاحتياجات العامة والمطالبة بالقيام بالفعل العام المناسب. فكثيراً ما تعتمد استجابة الحكومات إلى المعاناة الحادة لشعبها على درجة الضغط الذي يمارس عليها.
تعرّف الديمقراطية على أنها حكم الأغلبية. فالديمقراطية لها مطالب معقدة تشمل بالتأكيد التصويت واحترام نتائج الانتخابات، ولكنها تتطلب أيضاً حماية الحريات واحترام الحقوق القانونية وضمان النقاش الحر وعدم وجود رقابة على نشر الأخبار والتعليق المنصف عليها.
ويمكن تمييز ثلاث طرق مختلفة تغني الديمقراطية من خلالها حياة المواطنين. تتمثل أولاها في أن الحرية السياسية هي جزء من الحرية الإنسانية بشكل عام وأن ممارسة الحقوق المدنية والسياسية هي جزء أساسي من الحياة الكريمة للأفراد ككائنات اجتماعية. فالمشاركة السياسية والاجتماعية لها قيمة جوهرية بالنسبة للحياة الإنسانية والرفاه، والحرمان من المشاركة في الحياة السياسية للمجتمع هو من أقسى أشكال الحرمان.
وتتمثل الثانية، في أن للديمقراطية قيمة هامة بوصفها أداة تعزز سماع صوت الناس من قبل الساسة أثناء تعبيرهم عن مطالبهم ودفاعهم عنها. وتتمثل الثالثة، في أن ممارسة الديمقراطية تتيح للمواطنين فرصة التعلم من بعضهم البعض وتساعد المجتمع في صوغ قيمه وأولوياته.