رئيس البرلمان راشد الغنوشي يطالب بالتسريع في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.
بعد انقضاء أزمة تشكيل الحكومة في تونس بموافقة البرلمان على منح حكومة إلياس الفخفاخ الثقة، يدشن المشهد السياسي صراعا جديدا بين رأسي السلطة التي يمثلها رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، من خلال سباق السيطرة على المحكمة الدستورية.
تونس – سارعت حركة النهضة صاحبة الأغلبية في البرلمان التونسي، إلى دعوة الأحزاب إلى تحديد موعد لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بمجرد انطلاق جلسة التصويت على حكومة إلياس الفخفاخ، الأربعاء الماضي.
ودعا راشد الغنوشي رئيس البرلمان وزعيم حزب النهضة إلى الشروع في إجراءات انتخاب الأعضاء الثلاثة للمحكمة الدستورية الموكول للبرلمان انتخابهم، في خطوة فسّرها مراقبون بأن النهضة تستعجل استكمال تركيز المحكمة الدستورية للسيطرة عليها.
ويتوقع مراقبون تجدد الصراع بين رأسي السلطة في تونس على شاكلة أزمة تشكيل الحكومة، حيث ستكون المحكمة الدستورية عنوان المعركة القادمة بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية.
وكانت المفاوضات التي رافقت تشكيل الحكومة في تونس قد كشفت عن وجود خلافات عميقة بين الرئيس قيس سعيّد وحزب النهضة الذي يملك الكتلة الأكبر في البرلمان، الأمر الذي هدّد بحلّ مجلس النواب.
وتتوجس حركة النهضة التي تريد فرض أعضاء مقربين في المحكمة إلى أجنداتها في الحكم كما سبق أن عرقلت مناوراتها تنصيب المحكمة، من تدخل الرئيس وتقديم تأويلات دستورية على شاكلة تدخله في الأزمة الحكومية، الأمر الذي يضعف طموحها في الاستحواذ والاستفراد بالحكم.
ويتساءل مراقبون عن قدرة البرلمان المنقسم والمتناقض في مرجعيات أحزابه على استكمال تنصيب المحكمة الدستورية في عهد الرئيس قيس سعيّد، وهل ستكون المهمة أسهل في ظل حرص الرئيس وهو خبير قانوني متقاعد على تطبيق الدستور، خاصة وأنه نجح في عرقلة مخطط النهضة بالتلاعب بالدستور لصالحها.
ويرى المجتمع المدني في تونس أن المحكمة الدستورية تشكل اختبارا حقيقيا بالنسبة للرئيس قيس سعيّد، حيث سيختبر مدى قدرته على استكمال أبرز مؤسسات الانتقال الديمقراطي في البلد.
وسبق أن طالبت جمعية القضاة الرئيس سعيّد بالتّعجيل بتركيز المحكمة الدّستورية في أقرب الآجال “كضمانة أساسية لاحترام الدستور ولديمومة النّظام الدّيمقراطي في تونس”.
وقالت الجمعية إنّها “تٌعوِّل على دعم قيس سعيّد لبناء دولة ديمقراطية تقوم على الفصل بين السّلط وتحترم استقلال السّلطة القضائية”.
وكان البرلمان السابق قد أخفق، في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، حيث تبادلت الأحزاب الاتهامات بالدفع بمرشحين موالين لها لعضوية المحكمة وهو ما عطل التوافق بشأنهم. كما تعمدت حركة النهضة المماطلة في إرساء المحكمة الدستورية في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حيث استغلت مرضه آنذاك للمساومة، إمّا فرض مرشحيها أو عدم إرساء المحكمة.
وتعي النهضة في خضم المشهد السياسي الجديد أن نفوذها تآكل مع دخول أحزاب تنتقد أداءها وتتهمها بالفشل في الائتلاف الحكومي، ما يعني معارضة الأعضاء الذين ستدعمهم الحركة، للقطع مع مناوراتها للسيطرة على المحكمة الدستورية.
ويشير المحلل السياسي فريد العليبي أن “النهضة تطبق خطة تقوم على السيطرة التامة على الحكم باستعمال الديمقراطية المغشوشة موظفة المال والإعلام والعلاقات الخارجية، ومن ضمن خطتها تجريد كل من لا يطيعها في مسعاها من نفوذه وهنا يأتي توجهها نحو السيطرة على الهيئات الدستورية وإنشاء المؤجل منها ونعني المحكمة الدستورية”.
وتابع العليبي “متى كانت لها السيطرة عليها سهل الانقلاب الدستوري على قيس سعيّد وغيره مع ملاحظة محاولتها مؤخرا استعمال فصول دستورية خلال أزمة تكوين حكومة الفخفاخ في مسعى للحد من صلاحيات سعيّد الذي رد بقوة باستدعاء العنوشي والتأكيد على البند 89 دون غيره”. وكان سعيّد قد وضع حدا للتأويلات المتعددة للدستور أثناء تعثر المفاوضات حول تركيبة الحكومة بسبب الخلاف القائم بين الفخفاخ وحركة النهضة التي أرادت توظيف الفصل 97 من الدستور، لكن سعيّد حسم الموقف واعتبر ذلك مخالفا للدستور.
وفي ما يخص تعامل سعيّد مع المحكمة الدستورية، يعتقد العليبي أن “قيس سعيّد محكوم بدستور لم يخف معارضته له ولكنه مجبر على تطبيقه لذلك ليس بإمكانه عرقلة تكوين تلك المحكمة ولا الحيلولة دون سيطرة النهضة عليها بينما يمكن لأحزاب برلمانية القيام بذلك في حال اتحادها لمنع تلك السيطرة وهذا وارد، فالنهضة ستمثل أقلية وقتها”.
والمحكمة الدستورية هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014، وتضم 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم “المجلس الأعلى للقضاء” (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.
وتختص المحكمة الدستورية، وهي هيئة قضائية مستقلّة، وفق الفصل 120 من الدستور، دون سواها بمراقبة الأداء التشريعي من مشاريع القوانين والقوانين والمعاهدات الدولية. كما تعمل على تأمين احترام الحقوق والحرّيات، والتوازن بين السّلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وكان من المفترض أن يتم تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابات 2014، إلا أن الخلافات الحزبية حالت دون ذلك، حيث لم يتمكن البرلمان السابق من انتخاب سوى عضو واحد في مارس 2018 من بين أربعة أعضاء.
وتسبب غياب محكمة دستورية في أزمات سياسية سابقة في تونس من بينها النزاع بين رأسي السلطة التنفيذية بشأن الصلاحيات، وتفسير بعض فصول الدستور في مسائل ترتبط بدور الدين والحريات العامة.