الرئيس التونسي يمضي في تفعيل إجراءاته لرسم مستقبل البلاد.
يبحث معارضو الرئيس التونسي قيس سعيد عن أي فرصة قانونية متاحة تمكنهم من الطعن في القرارات التي اتخذها مؤخرا والالتفاف على الإجراءات التي رحب بها طيف واسع من التونسيين وإعادة البلاد إلى ما قبل الخامس والعشرين من جويلية الماضي.
تونس – تشهد الساحة السياسية في تونس جدلا متناميا من معارضي الرئيس التونسي قيس سعيد حول إمكانية اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في قراراته الأخيرة، خاصة بعد أن لاقت هذه القرارات دعما داخليا وخارجيا والتزام قيس سعيد بإصدار قرارات ومراسيم متواترة تنظم الكثير من القطاعات.
وأصدر الرئيس التونسي في الخامس والعشرين من يوليو الماضي قرارات بتجميد أعمال البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه ورفع الحصانة عن جميع نواب مجلس الشعب، ونشرت بالجريدة الرسمية في التاسع والعشرين من الشهر ذاته.
وتضمنت القرارات تعليق كل اختصاصات مجلس نواب الشعب (البرلمان) لمدة شهر ابتداء من 25 جويليو 2021، يمكن تمديده بمقتضى أمر رئاسي وفق ما ينص عليه الفصل 80 من دستور البلاد.
كما شملت تلك القرارات رفع الحصانة البرلمانية عن كل نواب البرلمان طيلة مدة تعليق أعماله، مع تكليف الكاتب العام للبرلمان بتصريف أعماله الإدارية والمالية.
والأحد الماضي أعلن قيس سعيد -عقب اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية- عن هذه القرارات، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ويترأس النيابة العامة.
ويؤكد القاضي السابق في المحكمة الإدارية للبلاد أحمد صواب أن “ما صدر في الرائد (الجريدة) الرسمي هو أمر رئاسي ويعتبر قرارا إداريا قابلا للطعن لدى المحكمة الإدارية”.
لكنه أوضح أن هذا الأمر الرئاسي صدر وفق الفصل 80 من الدستور التونسي، أي وفقا لظروف استثنائية. وأضاف أن “هناك إجماعا في الفقه والقضاء في القانون المقارن على أن هذه القرارات جاءت في ظروف استثنائية”.
وبالتالي فإن “هذه القرارات تندرج في إطار ما يسمى نظرية ‘أعمال السيادة’، وهي نوع من الأعمال السياسية مثل قطع العلاقات مع دولة معينة، أو إعلان الحرب، أو الاستدعاء للانتخابات، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن”.
وفيما يلوّح نواب من البرلمان باللجوء إلى المحكمة الإدارية أبلغ الرئيس التونسي، وهو المختص في القانون الدستوري، نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون بأنه سيصدر قرارات مهمة قريبا.
وقالت الرئاسة الجزائرية في صفحتها على فيسبوك إن تبون بحث هاتفيا التطورات في تونس مع قيس سعيد الذي طمأنه بأن “تونس تسير في الطريق الصحيح لتكريس الديمقراطية والتعددية وستكون هناك قرارات هامة عن قريب”.
وينتظر التونسيون من الرئيس سعيد تعيين رئيس جديد للحكومة وتقديم خارطة طريق للمرحلة القادمة.
وكان الإعلامي زياد الهاني تقدم في التاسع والعشرين من جويلية الماضي بدعوى للمحكمة الإدارية ضد الرئيس سعيد، معتبرا أن القرارات الرئاسية الأخيرة تمثل خرقا للدستور وتجاوزا للسلطة، ملتمسا من المحكمة الإدارية إلغاء تلك القرارات وإيقاف تنفيذها.
في المقابل اعتبرت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، في مقطع مصور عبر فيسبوك أن “الفصل 80 لا يسمح بالحكم بالمراسيم ولا يعطي الحق لتمرير مشاريع قوانين أساسية بموجب أوامر رئاسية”.
واعتبرت موسي، التي لم تدعم مقترح الطعن أمام المحكمة الإدارية ضد قرارات الرئيس سعيد، أن مشروع الصلح الجزائي الذي قدمه الرئيس سعيد لا يمكن تمريره ولا تمرير أي مشروع قانون في ثوب تدبير استثنائي باستغلال الوضع الاستثنائي الذي يمنع مناقشته من المعارضة والقوى الحية في المجتمع.
وتختص المحكمة الإدارية بفض النزاعات الإدارية المتعلقة بالمؤسسات الحكومية دون التدخل في القرارات السيادية، مثل تلك الصادرة عن الرئاسة، وفق ما تعرّف به المحكمة نفسها عبر صفحتها الرسمية.
وقدم الرئيس سعيد مشروعا للصلح الجزائي خاصّا برجال الأعمال التونسيين المدينون للدولة، وفتح قضايا سابقة بحق عدد من النواب من بينهم نواب ائتلاف الكرامة اليميني، حليف حركة النهضة في البرلمان.
وائتلاف الكرامة من أشد المناوئين للرئيس سعيد وهو يعارض بشدة إعلانه التدابير الاستثنائية وقراره تجميد اختصاصات البرلمان.
ودعا النائب عن الائتلاف سيف الدين مخلوف، الذي صدرت في حقه بطاقة إيقاف، جميع النواب والمحامين والأحزاب والمنظمات والجمعيات إلى رفع قضايا ضد قرار تعليق أعمال البرلمان أمام المحكمة الإدارية.
وعبّر عن مساندته “رفع دعوى تجاوز السلطة أمام المحكمة الإدارية بهدف إلغاء هذا الأمر”، كما أعرب عن مساندته طلب تأجيله ثم إيقاف تنفيذه.
واعتبر أن الفصل 80 من الدستور، الذي اعتمده قيس سعيد في قراراته، “نص إجرائي واضح وصريح ولا يقبل أي تأويل، ولا يعطي لأحد سلطة تعليق أعمال واختصاصات مجلس نواب الشعب، بل يفرض وبصريح النص وبما لا يقبل أي تأويل أن يبقى بحالة انعقاد دائم”.
واستطرد “الفصل 80 من الدستور لا يعطي لرئيس الجمهورية صلاحية تمديد العمل بأحكامه، ولا يعطيه صلاحية رفع الحصانة عن أعضاء مجلس نواب الشعب المنتخبين”.
وينص الفصل 80 من الدستور على أن “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
كما ينص الفصل ذاته على أن “مجلس نواب الشعب يعتبر في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”.
وينص أيضا على أنه “بعد مُضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه، وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما”.
وبناء على ما سبق يوضح القاضي التونسي أحمد صواب أنه بإمكان نواب البرلمان رفع دعوى قضائية للطعن في القرارات، ولكن لن يتم قبولها.