الرئيس التونسي حريص على حماية الحريات والحقوق.
عمل الرئيس التونسي قيس سعيد على بعث رسائل طمأنة للداخل والخارج بشأن حفاظه على المسار الديمقراطي وضمان الحريات المكتسبة بعد الثورة، حيث يساعده الاستقرار الداخلي وإرساء السلم والأمن بعيدا عن التوتر السياسي على استكمال مساره التصحيحي داخل المؤسسات المختلفة للدولة.
تونس - بعث الرئيس التونسي قيس سعيد بإشارات طمأنة داخلية وخارجية تتعلق بعدم المساس بمسار الديمقراطية في البلاد بعد حملة واسعة النطاق شنها المناوئون لقراراته الرئاسية الأخيرة التي أعفى بموجبها رئيس الوزراء وجمد عمل البرلمان لمدة 30 يوما مع رفع الحصانة عن النواب.
وتمكن الرئيس التونسي من إيصال رسائل طمأنة والتخفيف من حدة الردود الداخلية والخارجية على حد سواء بعد تأكيده على أن تحركه الأخير هدفه “إنقاذ الدولة” من الانهيار بعد سنوات عانى فيها التونسيون من أزمات كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى أزمة سياسية عميقة.
ودفعت الأزمتان الصحية والاقتصادية بالتونسيين إلى التظاهر في الشوارع يوم الخامس والعشرين من يوليو الجاري ضد الطبقة السياسية الحاكمة، بالإضافة إلى الاحتجاج على سوء إدارة الأزمات من قبل الحكومة المقالة والتي طغت على السطح طوال الأشهر الأخيرة، وهذه من العوامل التي جعلت الرئيس قيس سعيد يتحرك لإيقاف هذا التدهور.
وبدت الأوضاع في تونس هادئة داخليا على الرغم من محاولات حركة النهضة وحلفائها الإيهام بوجود “انقلاب كبير” على الديمقراطية، وتصوير تلك التحركات على أنها “انقلاب عسكري”، لكنها وجدت ترحيبا واسعا من قبل المواطنين التونسيين الذين كانوا يتوقون لإنهاء أسوأ سنوات عاشوها ما بعد ثورتهم.
ويرى مراقبون أن الاستقرار الداخلي وإرساء السلم والأمن بعيدا عن الاضطرابات والتوتر السياسي من شأنه أن يساعد الرئيس قيس سعيد في استكمال مساره التصحيحي داخل مؤسسات الدولة المختلفة.
ويقول هؤلاء إن توفير مناخ اجتماعي متوازن وسليم بعيدا عن الاحتجاجات والاعتصامات قد يساعد على استكمال المسار بشكل سلس.
وكان الرئيس التونسي قد اجتمع مع مؤسسات اقتصادية وعمالية ونقابية هامة منذ إصداره لقراراته الأخيرة حول تجميد عمل البرلمان وإعفاء هشام المشيشي من رئاسة الوزراء. وكان يهدف من وراء تلك اللقاءات إلى طمأنة القطاعات الهامة والمحركة الأساسية لعجلة الإنتاج في الداخل التونسي.
وسعى الرئيس التونسي عبر تعيينه لمكلف بتسيير أهم مؤسسة أمنية في تونس إلى التأكيد على تطبيقه للقانون واحترام الدستور. وقال حين أدى رضا غرسلاوي اليمين الدستورية بعد تكليفه بتسيير وزارة الداخلية، إنه “ملتزم باحترام الحقوق والحريات والاحتكام للقانون والدستور”.
وأكد الرئيس التونسي في كلمته الخميس إنه “على عكس ما يقول البعض حول تجاوز الدستور، تم تطبيق الفصل الـ80 من الدستور، وقمتم (غرسلاوي) بأداء اليمين بناء على الفصل الـ89 منه”، مضيفا “ليطمئن الجميع في تونس وخارجها أننا نحتكم للقانون”.
وكان سعيد يريد إيصال رسائل طمأنة إلى الداخل والخارج من وراء تلك التصريحات خاصة في ضوء ما سعت إليه جهات رافضة لقراراته الرئاسية الأخيرة ومن بينها حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي عبر التّرويج في وسائل إعلام خارجية بأن “خطوات الرئيس تضر بالديمقراطية وتمثل انقلابا على الدستور”.
كما قال في نفس الكلمة “ليطمئن الجميع على الحقوق والحريات وليعلموا أنني حريص عليها”، لافتا إلى أنه “لم يتم اعتقال أيّ شخص أو حرمان أيّ شخص من حقوقه بل يتم تطبيق القانون تطبيقا كاملا لا مجال فيه لأيّ تجاوز لا من السلطة ولا من أيّ جهة أخرى”.
وخاطب سعيّد غرسلاوي قائلا “أنت مطالب بضمان استمرارية الدولة في ظل ظرف دقيق، وليعلم الكثيرون ممن أدوا اليمين أمامي أن الدولة ليست دمية تحركها الخيوط”، معتبرا بهذا الصدد أن “هناك من يحرك الخيوط من وراء الستار من اللوبيات والفاسدين”.
وتعيش تونس منذ الأحد الماضي تواترا سريعا للأحداث بعد القرارات الرئاسية الاستثنائية والتغييرات الكبيرة التي أحدثها الرئيس في مؤسسات مختلفة داخل الدولة، بالإضافة إلى فتح ملفات الفساد وملاحقة من ثبتت ضدهم تجاوزات خلال السنوات الماضية.
ويشكل ملف الاستقرار الداخلي والنجاح في تحقيقه أولى أولويات الرئيس التونسي بعد تجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما ورفع الحصانة عن النواب البالغ عددهم 217.
ويرى خبراء أن الخطوة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد جاءت متقاربة جدا مع مطالب الشارع الذي خرج في عيد الجمهورية الـ64 للتعبير عن سخطه على الطبقة السياسية الحاكمة.
ويعد البرلمان، الذي تسيطر عليه حركة النهضة بالتحالف مع ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس، مدار صراعات سياسية لم تتوقف منذ الانتخابات التشريعية عام 2019.
وحصلت تونس على دعم إضافي من الولايات المتحدة بعد تأكيدها على دعم البلاد في مفاوضاتها مع المؤسسات المالية الدّولية، في تصريحٍ لنائب مساعد وزير الخزينة الأميركي المكلف بأفريقيا والشرق الأوسط إيريك ماير خلال لقائه الأربعاء مع مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي بالعاصمة تونس.
وترى الكاتبة الصحافية والمحللة الاقتصادية التونسية جنات بن عبدالله أن “الموقف الأميركي في مواصلة التعاون مع تونس هو موقف إيجابي ويمكن أن يعطي ضمانات على مستوى الأسواق المالية العالمية والمستثمرين، على ألا تخرج تونس عن مسارها السلمي”.
وتشير إلى أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تعطلت بسبب عدم الاستقرار السياسي والحكومي، موضحة أن “الجانب التونسي مدعوّ اليوم إلى توظيف موقف فتح الأيدي من الجهة الأميركية التي ستسهّل التواصل دوليا وفي الأسواق المالية الدولية بالنسبة إلى تونس”.
وتشدد بن عبدالله على أنه “على الجانب التّونسي اليوم توخي الحذر واتباع الحكمة في اتخاذ أيّ قرار من أيّ نوع سياسي أو اقتصادي، خاصة أن تونس ليست جزيرة منعزلة، بل تنتمي إلى محيط قاري وإقليمي وعربي ودولي، وأيُّ تحركٍ يجب أن يأخذ بالاعتبار مصالح تونس مع كل هذه الأطراف”.
وعلى الرغم من اتهام حركة النهضة وقوى سياسية أخرى للرئيس قيس سعيد بـ”الانقلاب على الدستور”، إلا أنها وجدت نفسها أمام خيارات محدودة للتعامل مع القرارات الرئاسية والتي تنحصر في فتح باب الحوار.
من جانبه يقول الأستاذ في الجامعة التّونسية رضا الشكندالي إن “المواقف الخارجية للولايات المتحدة أو غيرها من الدّول تساعد في الخروج من الأزمة السّياسية، لكنها لا تعطّلُ ما ستذهب إليه الأمور داخليًا في الأيام القليلة المقبلة”.
وتسعى حركة النهضة إلى حشد داخلي ضد قرارات الرئيس سعيد التي لاقت قبولا من شريحة واسعة من التونسيين. ولوّح رئيس الحركة راشد الغنوشي بالتحرك عبر الشارع بعد تصريحاته التي قال فيها “إذا لم يتم الاتفاق على عودة البرلمان وتكوين حكومة وعرضها على البرلمان، الشارع التونسي سيتحرك لا شك، وسندعو الشارع التونسي للدفاع عن ديمقراطيته وأن يفرض رفع الأقفال على البرلمان”.
ويضيف الشكندالي أن “الفرق كان واضحا بين الخطابين الأول والثاني للرئيس التّونسي قيس سعيّد، إذ أعطى في الثاني (يوم الأربعاء)، رسائل طمأنةٍ وشدد على تأمين المسار الدّيمقراطي وحماية مكتسباتها من حرياتٍ وغيرها”.