بعد مرحلة من النفي والتردد، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية، يوم الخميس، أن "رئيس الحكومة الحبيب الصيد، أجرى فحوصات وتحاليل روتينية تبيّن على أثرها للفريق الطبي المباشر له، ضرورة إجراء تدخّل جراحي بسيط، يستوجب راحة لمدة 48 ساعة".
وللتذكير فقد خضع الصيد في بداية هذا العام لسلسلة من الفحوصات في المستشفى العسكري، بسبب تعرّضه لوعكة صحية، وتدهور خفيف بسبب تناوله مضادات حيوية غير مناسبة لوضعه الطبي. وغيّر الصيد آنذاك مقر اجتماعاته من قصر الحكومة بالقصبة إلى قصر الضيافة بقرطاج. وعلمت "العربي الجديد" أن "الحالة الصحية لرئيس الحكومة لا تبعث بالفعل على القلق، وأن التدخل الجراحي البسيط، الذي تحدث عنه البلاغ، كان مبرمجاً منذ فترة ولم يكن مفاجئاً، ولا يتعلق بنفس أسباب الوعكة الأولى".
لكن الغريب في الأمر هو توقيت العملية، الذي يبدو وكأن الصيد قد اختاره عمداً، فالمعلومات المتوفرة تؤكد أن العملية لم تكن مستعجلة، وكان يُمكن تأجيلها لشهر، غير أن توقيتها بعد يوم واحد من إشارات الرئيس الباجي قائد السبسي، الواضحة حول رغبته في تغيير كامل الحكومة، ربما تُمهّد لخروج الرجل، وتنقص من حماسة مؤيدي بقائه على رأس الحكومة. وقد تعكس عدم رغبته بالفعل في الاستمرار في منصبه. بالتالي يفتح بهذه الطريقة باباً ديبلوماسياً لتفادي الأزمة، وعدم إحراج الرئيس وتجنيب البلاد تعقيدات جديدة".
وتشير بعض المصادر إلى أن "رغبة السبسي ثابتة في شأن البحث عن قائد جديد للحكومة، وهو نفس موقف حزبي نداء تونس والاتحاد الوطني الحر، في حين لا تزال البقية مترددة، مع أن بعضها كان يميل إلى إبقاء الصيد في قصر القصبة".
ويبدو أن موقف "حركة النهضة" بدأ يلين بعض الشيء، بعد إعلان قيادي بارز لـ"العربي الجديد"، أن "ما حدث غير أخلاقي في موضوع التعامل مع رئيس الحكومة"، مؤكداً أن "النهضة لن تعارض وجود اسم جديد، بشرط أن يكون أفضل من الصيد، على مستوى عدد من الخصال التي ينبغي أن تتوفر في الرئيس الجديد. وأن يكون ضامناً لتحقيق ما عجز عنه خلفه، وإلا فما ضرورة تغيير الصيد أصلاً".
وتشير معطيات عدة حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أن "الشرط الأساسي الذي تجمع حوله الأطراف السياسية، هو أن يكون الرئيس الجديد قادراً على الحفاظ على التوازنات السياسية بين الأحزاب، وألا يكون منحازاً أو ينحاز في المستقبل لطرف منها. وهو ما نجح فيه الصيد بامتياز، ما يجعل من تعويضه مهمة في غاية الصعوبة". ويُضاف إلى هذا الشرط شروط أخرى، أبرزها أن يكون سياسياً محنّكاً وحائزاً على خبرة اقتصادية لإدارة الأزمة الحالية، ومطمئناً لبعض الأطراف.
وفي هذا الصدد، تكشف بعض القيادات الحزبية أن "اسمي حاتم بن سالم وعبد الكريم الزبيدي لا يزالان مطروحين، ولكن اسماً آخر دخل حلبة المنافسة، رغم أنه لم يُستشر بعد في الموضوع، وهو الرئيس المدير العام الحالي لبنك أعمال تونس، حبيب كراولي".
وكراولي، قد يكون غير معروف بالنسبة لعامة التونسيين، ولكنه معروف جداً في أوساط الأعمال، فقد نجح في عملية خصخصة وإنقاذ عدد من المؤسسات الهامة في تونس، من بينها فتح رأس مال شركة اتصالات تونس، والبنك التونسي الكويتي، والشركة التونسية للتأمين، وغيرها من المؤسسات الكبرى.
كما سبق أن طرح اسمه كوزير للتجارة في حكومة الكفاءات التي اقترحها رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، إثر اغتيال شكري بلعيد، بل طرح اسمه حتى لتعويض الجبالي نفسه. ويبدو أن حظوظ كراولي جيدة جداً، إذ أكدت بعض المصادر أنه يحظى بدعم منظمة رجال الأعمال، وتثق به "حركة النهضة"، وربما ينال حتى دعم "اتحاد الشغل"، وهي ثلاثة دعائم حاسمة في هذا الاتجاه، ولكنه قد لا يجد نفس الدعم من حزب النداء.