أصدرت وزارة التربية التونسية قرارًا يقضي بحظر تقديم الدروس الخصوصية خارج فضاء المؤسسات التربوية العمومية. هذا القرار الذي جاء في وقت حساس، يثير العديد من التساؤلات حول أبعاده وفعاليته في معالجة التحديات الحقيقية التي يواجهها النظام التعليمي في البلاد.
مقالات ذات صلة:
عبء مادي وتحدي تربوي في تونس: تساؤلات حول مستقبل التعليم في ظل تزايد الاعتماد على الدروس الخصوصية
وزارة التربية تُحاصر ظاهرة الدروس الخصوصية: إجراءات مشددة وأبعاد تربوية واجتماعية عميقة
تحت الضغط: تأثيرات فرض الدروس الخصوصية على الطلاب والأهالي
القرار: خطوة نحو الإصلاح أم مجرد إلهاء؟
محمد الصافي، كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي، كان من أول المنتقدين لهذا القرار، حيث اعتبره بمثابة محاولة لإلهاء الرأي العام عن المشاكل العميقة داخل المنظومة التربوية. وقال في تصريح لإذاعة "الديوان" يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2024، إن الوزارة، من خلال هذا القرار، تسعى إلى صرف الأنظار عن القضايا الحقيقية التي تحتاج إلى حلول عاجلة. وأكد الصافي أن هذا القرار يحمل في طياته إذلالًا للمدرسين، ويُنتظر أن يزيد من تعقيد الأوضاع داخل المؤسسات التعليمية بدلًا من حلها.
ماذا عن المشاكل الأساسية في المنظومة التربوية؟
فيما يتعلق بمشاكل القطاع، ذكر الصافي أن وزارة التربية كان يجب أن تعالج الإشكاليات الأساسية التي تعاني منها المؤسسات التربوية، مثل الشغورات في المناصب التعليمية والإدارية، بالإضافة إلى النقص الحاد في الموارد البشرية من معلمين وعمال إداريين. ولفت إلى أن المدارس التونسية تواجه أيضًا مشاكل كبيرة في توفير التجهيزات المناسبة، فضلاً عن تفشي ظواهر العنف والمخدرات في بعض المناطق، مما يعكس حجم الأزمة التي تعيشها هذه المؤسسات.
وقد كان من الأجدر، بحسب الصافي، أن تركز الوزارة على هذه القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم وسلامة التلاميذ بدلًا من تهديد المدرسين. وأضاف أن "خطاب الوعد والوعيد" لن يؤدي إلا إلى زيادة التوتر في الأجواء التربوية ويزيد من احتقان المدرسين والأولياء على حد سواء.
المخاطر المترتبة على هذا القرار: هل هو الحل؟
في المقابل، يأتي قرار وزارة التربية في وقت يتزايد فيه الاعتماد على الدروس الخصوصية كحل بديل للقصور الذي تشهده بعض المؤسسات التعليمية. فبحسب دراسة قامت بها المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، فإن ما يقارب 67% من تلاميذ المرحلة الابتدائية يتلقون دروسًا خصوصية، وهو ما يُعتبر عبئًا ماديًا ثقيلًا على الأسر التونسية. وهذا ما يعكس، وفقًا للعديد من المختصين، فقدان الثقة في التعليم العمومي.
إلا أن قرار الوزارة قد يزيد من تعميق هذه الفجوة التعليمية بين الأسر القادرة على دفع تكاليف الدروس الخصوصية وبين الأسر الأقل قدرة على تحمل هذا العبء.
التحدي الأكبر: إصلاح شامل أم حلول جزئية؟
ما يبدو واضحًا من الانتقادات الموجهة للقرار هو أن الإصلاحات الشاملة التي يتطلبها النظام التعليمي التونسي ما زالت غائبة. إن إغلاق الباب أمام الدروس الخصوصية قد يكون خطوة ضرورية لمحاربة الظاهرة، لكن ذلك لن يكون ذا فائدة كبيرة إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأسر إلى اللجوء إليها في المقام الأول.
الإصلاحات تبدأ من داخل المؤسسات التربوية
القرار الأخير بخصوص تحجير الدروس الخصوصية قد يكون له تأثيرات إيجابية في تقليص هذه الظاهرة إذا تم دعمه بخطط إصلاح جذرية تشمل تحسين جودة التعليم العمومي، الرفع من كفاءة المعلمين، زيادة الميزانية المخصصة للتعليم، فضلاً عن تحسين ظروف العمل في المدارس.
لكن في غياب هذه الإصلاحات الأساسية، سيظل التحجير مجرد إجراء جزئي لن يساهم في حل المشكلة الجوهرية التي يعاني منها النظام التعليمي التونسي.