احتضار سياسي دولي لصالح نظام جديد لم تتضح معالمه بعد، وأوروبا بؤرة صراع جديد بين 'ثورة المحافظين' وتقاليد النظام القديم.
برلين - يخطو العالم بأسرع من أي وقت مضى نحو نموذج مناقض للقواعد التي كانت تتحكم في عالم القرن العشرين، إذ تواجه أعرق مراكز الحضارة الغربية صدمات شعبوية سادت على إثرها حالة عدم يقين دولية.
وعدم اليقين ناجم عن انتقال في السلطة في الولايات المتحدة ودول أوروبية من سياسيين ينتمون إلى المنظومة التقليدية، إلى نشطاء يمينيين يعتمدون على خطاب شعبوي لتذكية خطابهم السياسي. وأحدث ذلك صدمة حضارية غير مسبوقة، ستضع قواعد جديدة للعلاقات بين الدول والمجتمعات الغربية لعقود مقبلة.
ويقول وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في مقال نشرته صحيفة “بيلد أم زونتاغ” الأحد إنه مع تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة فإن “عالم القرن العشرين القديم قد انتهى إلى الأبد”.
وتابع شتاينماير الذي انتقد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بشدة خلال الحملة الانتخابية “ما هي مفاهيم النظام (العالمي) التي ستفرض نفسها في القرن الحادي والعشرين، وماذا ستكون معالم عالم الغد، ليس هناك ما هو محسوم، كل شيء مشرع على شتى الاحتمالات”.
ووضع فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر الماضي حدا لهيمنة طبقة سياسية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وساهمت في تثبيت الاستقرار والتعايش في أوروبا، بعد صراعات راح ضحيتها الملايين.
لكنها فشلت مع الوقت في صياغة رؤيتها للانتقال من الاستقرار إلى مرحلة العولمة وإزالة الحدود وفرض اتفاقيات تجارة عابرة للحدود، وهو ما أعاد الحنين مرة أخرى إلى عصور القومية في مجتمعات كانت تعتقد أنها تخلصت منها إلى الأبد.
ونتجت عن ذلك هزيمة اليسار في دولة تلو الأخرى، في ما يشبه “أواني مستطرقة”، بالتزامن مع فيضان من المهاجرين اجتاح أوروبا على وقع صراعات دامية في منطقة الشرق الأوسط، وتراجع مطرد في النمو الاقتصادي، وانحسار الثروة تدريجيا بين أوساط النخب من دون توزيعها بشكل عادل على طبقات المجتمع الأخرى.
وكتب شتاينماير “كما هو الحال دائما عند انتقال مقاليد السلطة، تظهر بعض الشكوك والتساؤلات بشأن المسار الذي ستسلكه القيادة الجديدة” مشيرا إلى أن العالم في حاجة إلى أن يكون مستعدا في الأوقات المضطربة.
وقال شتاينماير إن الحكومة الألمانية ستسعى إلى الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة، وستسعى لتوضيح موقفها وقيمها ومصالحها.
واعتبر أن على العالم أن يستعد “لحقبة مضطربة”، موضحا أنه كما في كل مرحلة انتقالية “هناك نقاط غموض (…) لكن في هذه الحقبة من الفوضى الشاملة الجديدة، فإن الأمر يمضي أبعد من ذلك”.
وأثار صعود ترامب تحفظ مؤسسات سياسية واقتصادية كبرى، ونخب تنظر إليه باعتباره تهديدا غير مسبوق منذ انحسار النازية في ألمانيا.
وأدخل ذلك الطبقة السياسية التقليدية في صراع محتدم مع سياسيين يمينيين يبشرون بثورة “محافظة”، تعيد الغرب إلى قواعده القديمة، وتضع حدا لنتائج الثورات اليسارية، خصوصا الثورة الفرنسية، التي أعادت بناء المجتمعات الغربية على أسس جديدة.
ويقول مراقبون إن أوروبا ستكون ساحة الصراع الذي ستشكل نتائجه قواعد القرن الجديد. وسيتسبب التجاذب بين محور بريطانيا (بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي) والولايات المتحدة، ومحور ألمانيا التي مازالت متمسكة بالصيغة القديمة للحكم، في انتقال الثقل العالمي تدريجيا من الغرب إلى الشرق، وهو ما يظهر اليوم في تسارع النفوذ الروسي الجديد في أوروبا والشرق الأوسط.
وتوقع رجل الأعمال البريطاني المعروف جورج سورس ألا تبقى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي شل قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي حكومتها، طويلا في السلطة.
وشن هجوما عنيفا على ترامب في مؤتمر القمة الاقتصادية العالمية في دافوس، وقال “المحتال والمخادع ترامب يستعد لشن حرب تجارية سيطال تأثيرها أوروبا وأجزاء أخرى من العالم”.