الشبكة الاجتماعية تجد نفسها تحت ضغط واسع في المنطقة العربية، مع شعور عدد من الأنظمة بالتهديد الكبير لوجودها في ظل تأثير فيسبوك القوي على المجتمعات.
تنظيم انتخابات ديمقراطية نظيفة أصبح “ممكنا” وفق مؤسس شركة فيسبوك ومديرها التنفيذي مارك زوكربيرغ الذي يقول بعد تعنت إنه يقبل بالتنظيم الحكومي للموقع الاجتماعي الأكثر شعبية في العالم.
ميونخ - قال مؤسس شركة فيسبوك ومديرها التنفيذي مارك زوكربيرغ إنه يتعين على الشركة قبول شكل ما من أشكال التنظيم الحكومي، مع الاعتراف بوضعها كمزوّد محتوى في مكان وسط بين الصحف وشركات الاتصالات.
وزعم أن حقبة الانتخابات الديمقراطية النظيفة الخالية من تدخل الحكومات الأجنبية، أصبحت “ممكنة” بالنظر إلى أن فيسبوك توظف الآن أكثر من 35000 موظف يعملون على مراقبة المحتوى، والأمان.
واعترف زوكربيرغ أن فيسبوك كانت بطيئة في فهم حجم مشكلة التدخل الأجنبي. كما دافع عن شركته من الادعاءات بأنها تؤدي إلى الاستقطاب السياسي، قائلا “إن الغرض من الشبكة الاجتماعية هو الجمع بين المجتمعات”.
وأثناء حديثه في مؤتمر ميونخ الأمني -وهو تجمع سنوي رفيع المستوى للسياسيين والدبلوماسيين والمتخصصين في مجال الأمن- سعى زوكربيرغ إلى تبديد فكرة أن شركته قوّضت الديمقراطية، أو أضعفت النسيج الاجتماعي، أو ساهمت في “إضعاف الغرب” من خلال نشر انعدام الثقة. وقال “إنه يدعم لوائح الدول في أربعة مجالات تشمل: الانتخابات، والخطاب السياسي، والخصوصية، ونقل البيانات”.
ويقول زوكربيرغ الذي من المقرر أن يجري الاثنين 17 فيفري مناقشات جديدة مع المنظمين في مفوضية الاتحاد الأوروبي “حتى إنْ تدخّل عددٌ كافٍ من الناس للتوصل إلى إجابة شافية للتنظيم، فإن الإجابة لن تكون بالضرورة صحيحة، ولكن العملية التي سيُتَّخذ فيها القرار تساعد على بناء ثقة أكبر في الإنترنت”.
ورغم أن العالم مشغول بشركة فيسبوك التي تدار من “الدكتاتور” زوكربيرغ كما وصفه مستثمرون بالشركة، وهي منصة تؤمن بالاحتكار ولا تقبل المنافسة، تبدو القضية في العالم العربي لا تشغل أحدا.
وقد شهد المؤتمر مشاركة عربية رفيعة المستوى، خليجية خاصة، لكنه لم يسجل طرح أسئلة “عربية” حول تعامل موقع فيسبوك مع المستخدمين في المنطقة العربية التي تواجه تحديات كبيرة وقودها في أحيان كثيرة أخبار كاذبة تغذي الصراعات العربية بمختلف أشكالها.
ويستخدم 9 من كل 10 شباب عرب منصة اجتماعية واحدة على الأقل يوميا. ويقول نصف الشباب العربي إنهم يحصلون على أخبارهم مما ينشر على موقع فيسبوك يوميا. وتعدّ النسبة هائلة مقارنة بتلك التي تشمل الذين يتوجهون إلى المواقع الاجتماعية الأخرى (39 في المئة)، والتلفزيون (34 في المئة)، والصحف (4 في المئة).
وتعتبر فيسبوك أكبر شبكة اجتماعية مستخدمة في العالم العربي وتضم أكثر من 187 مليون مستخدم في المنطقة. وتجمع مصر أكبر نسبة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي موطن 38 مليون مستخدم يوميا و40 مليون مستخدم شهريا.
وتجد شركة فيسبوك نفسها تحت ضغط واسع في المنطقة العربية، فعدد من الأنظمة رأت في هذا الموقع تهديدا كبيرا لوجودها، خاصة أنه لعب دورا حاسما في الحشد الجماهيري خلال فترة “ثورة فيسبوك” التي استوحي اسمها من حركات الاحتجاج في العالم العربي التي مكنت من الإطاحة بأنظمة سياسية عربية عام 2011، لذلك وبدلا من محاولة إغلاقه، استخدمته هي الأخرى لمصالحها الخاصة، ليس فقط عبر تقوية حضورها في الإعلام الدعائي الذي بات يستنجد بآخر التطورات التكنولوجية، أو تشجيع المحتوى الزائف، ولكن كذلك لحصار الأصوات المعارضة.
يقول مراقبون إن فيسبوك تحول من أداة للتواصل الاجتماعي بين الناس إلى أداة لنشر أخبار زائفة تستخدمها أنظمة سلطوية.
وأعلن فيسبوك في مرات عديدة عن وجود سلوك مزيف منسق مصدره بلدان عربية لأجل أهداف سياسية إما داخلية أو إقليمية.
ويدرك المتتبعون أن الحسابات الوهمية المضلّلة انتشرت بشكل واسع في المنطقة العربية. ويؤكد مراقبون أن الجمهور المتابع لهذا المحتوى المضلل واسع جدا. وقد أدى تدقيق إدارات المنصات إلى إغلاق مئات الحسابات في المنطقة العربية عام 2019 بسبب استخدام الجهات الفاعلة التي ترعاها الدولة وكذلك الجماعات الإرهابية لها.
187 مليون مستخدم عربي لفيسبوك الذي يعتبر الموقع الأكثر شعبية في المنطقة العربية
ولكن رغم ذلك يؤكد مستخدمو فيسبوك في المنطقة العربية قدرتهم على الحشد وقلب الموازين في كل مرة تجددت “ثورة فيسبوك” عام 2019؛ خاصة في العراق ولبنان وبالفعل تمخضت التظاهرات عن استقالة رئيسين اثنين للحكومة في البلدين.
ومنذ أكتوبر انطلقت مظاهرات ضخمة سِلمية في لبنان وأخرى شديدة الدموية في العراق بدأ في الحشد لها أولا على موقع فيسبوك متحدية أيّ جيوش إلكترونية مأجورة ومتمرسة في توجيه الرأي العام.
من جانب آخر، قال زوكربيرغ في مؤتمر ميونخ “إن الدول الاستبدادية تقدم أشكالا شديدة التحكم بالإنترنت تقيد حرية التعبير”. وأضاف خلال جلسة أسئلة وأجوبة خلال الحدث “أعتقد أنه يجب أن يكون هناك تنظيم في الغرب بشأن المحتوى الضار… ولكن يبقى السؤال عن الإطار الذي تستخدمه لهذا الغرض”.
وتابع “أعتقد أن لدى الناس حاليا إطارين للصناعات الحالية، هناك الصحف ووسائل الإعلام الموجودة، ثم هناك النموذج الشبيه بالاتصالات، وهو “البيانات التي تتدفق فقط من خلالك”، لكنك لن تُحمِّل شركة الاتصالات المسؤولية إنْ قال شخصٌ شيئا ضارا على خط الهاتف. في الواقع، أعتقد أنه يجب أن نكون في مكان ما بينهما”.
وأشار زوكربيرغ إلى أن مستخدمي فيسبوك يشاركون يوميا أكثر من 100 مليار منشور، مضيفا “ببساطة يستحيل أن يكون هناك محرر بشري مسؤول عن التحقق من كل منها”. وبالإشارة إلى أن ما تفعله فيسبوك لإعطاء المشتركين المعلومات التي يتفقون عليها معها فقط؛ أدى إلى زيادة التحيز، وقال “نحاول أن نظهر بعض التوازن في وجهات النظر”.