المشير خليفة حفتر يحتاج إلى توسيع تحالفاته واستقطاب مجموعات قبلية في العاصمة الليبية.
روما - دفعت مساعي قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر لتوسيع نفوذه نحو طرابلس بإيطاليا إلى وضع اليد في اليد مع قطر لإسناد الميليشيات الإسلامية التي تهيمن على طرابلس مستفيدة من ضبابية الموقف الدولي ومن صراع المصالح بين دول غربية، وخاصة بين إيطاليا وفرنسا.
وفيما تتواتر أنباء عن إسناد عسكري ميداني تقدمه روما للميليشيات، التي تتخفى وراء حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، فإن المسؤولين الإيطاليين أخرجوا تحالفهم مع قطر، وهي أحد أبرز الممولين للميليشيات، إلى العلن، وذلك من خلال زيارة وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى روما ولقائه مسؤولين بارزين.
وحظي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بلقاء رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، وحضر اللقاء أيضا نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق المحسوب على الإسلاميين والمقرب من إيطاليا. كما عقد اجتماعا مع نظيره الإيطالي إينزو موافيرو ميلانيزي، ما يعكس مساعي روما الحثيثة لإرباك تقدم معركة طرابلس التي لا تنظر إليها كونها جزءا من الحرب الدولية على الإرهاب، أو كإحدى الضمانات الرئيسية لوقف الهجرة إلى أوروبا، ولكن كونها تندرج في سياق صراعها مع فرنسا على مواطن النفوذ.
وقالت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، إن على بلادها مواصلة الحوار مع جميع الأطراف الليبية المعنية بالصراع، حتى التوصل إلى حلّ غير عسكري، في إشارة إلى مفاوضات محتملة مع المشير خليفة حفتر.
لكنها شددت على أنه “من الواضح أن وراء الأزمة الليبية كانت هناك دائما قوى مختلفة من كلا الجانبين، لكننا نعلم ذلك منذ فترة طويلة”، في إشارة واضحة إلى الخلافات مع فرنسا، وأن ما يجري هو صراع مصالح.
من جانبه، يعتبر لويجي دي مايو، وزير العمل والتنمية الاقتصادية الإيطالي، أن هدف إيطاليا يجب أن يظل “ضمان أمن بلادنا والمنطقة بالإضافة إلى الشركات الإيطالية وعناصر جيشنا الذين يؤدون مهمة استثنائية في دعم السكان المحليين”.
وحذر متابعون للشأن الليبي من أن التحالف مع الميليشيات، ولو كان ظرفيا، سيهدد أمن المنطقة ككل، مشيرين إلى أن المجموعات الإسلامية المختلفة عملت خلال السنوات الأخيرة على تجميع الأسلحة والمقاتلين والأموال ما ساعدها على بسط سيطرتها على طرابلس، وأنها استفادت بشكل واضح من أسلوب إغماض الأعين الذي كانت تعتمده دول مثل إيطاليا مقابل حصولها على مزايا اقتصادية وعقد صفقات طويلة المدى مع مجموعات غير شرعية.
ولا يكفي إظهار الدعم للحلّ السياسي أو مساندة المؤتمرات والاجتماعات بين مختلف الفرقاء لتبرئة الوجود الأجنبي من تصعيد الحرب في ليبيا، وهو ما أشار إليه مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا، صلاح الدّين الجمالي، حين أكد أن “هناك تدخلات دولية يومية في ليبيا، ومواقف هذه الدّول لا تدعو كلها إلى إيقاف الحرب وإخماد نار السلاح، بل هناك من يشجع على ذلك”.
لكنه اعتبر أن “الاستقواء بالخارج في ليبيا أمر خطير جدا، ولا يكون التدخل الأجنبي ممكنا إلا إذا وجد من يناديه ويدعوه من الداخل”.
ويعتقد محللون أن تدويل الصراع يخلق المزيد من الأزمات الأمنية والإنسانية، كما أنه يفتح الأبواب أمام السيناريو السوري من خلال استجلاب الميليشيات العابرة للدول مثل داعش والقاعدة وشبكات الإسناد المالي سواء التابعة لدول مثل تركيا وقطر أو لجماعات مثل الإخوان المسلمين، وهو ما يديم الصراع.
واعتبر هؤلاء أن نجاح العملية العسكرية التي يشنها حفتر على طرابلس يعتمد أكثر على قدرته على كسب ولاء مجموعات محلية في العاصمة، خاصة المرتبطة بالقبائل، منه على القدرات العسكرية لقواته.
ويتهم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر باستمرار تركيا وقطر بتزويد خصومه بالأسلحة. وفي لعبة السياسة الليبية المعقدة، قد لا يتمكن الجيش الوطني الليبي لوحده من السيطرة بطريقة حاسمة على غرب البلاد وبسط سلطته في منطقة طرابلس.
ويشار إلى أن الميليشيات والجماعات المسلحة في الغرب الليبي ليست متجانسة ولا تدعم بنفس الطريقة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس.
ويؤكد مركز صوفان للشؤون الأمنية في تقرير له مؤخرا أن تعقيد المشهد السياسي الليبي ناجم عن كون “العصابات والمجرمين والجهاديين يغيرون توجهاتهم في خليط معقد من التحالفات العابرة”.
ويؤكد ماتيو غودير، الخبير في شؤون الدول العربية، أنه “لا يمكن للمشير حفتر أن ينجح في العملية إلا إذا تمكن من قلب التحالفات والحصول على دعم عدد من القبائل غرب البلاد لأن هذه المنطقة خاضعة لسيطرة قوات محلية”.
ويرى غودير أنه يتوجب على حفتر أن “يستوحي من النظام الذي وضعه معمر القذافي للسيطرة على الأراضي لفترة طويلة وإلا ليست لديه أي فرصة لإعادة توحيد البلاد تحت مظلة حكومة واحدة”.
وعبر أندرياس كريغ، الباحث في مجال الدفاع في كينغز كولدج في لندن، عن اعتقاده بأن حفتر يواجه صعوبات كبرى على الأرض غرب ليبيا.
وقال إن “خطأه الرئيسي كان التقليل من شأن كتائب مصراتة القوية (200 كلم شرق طرابلس) واستعدادها للقتال ليس بالضرورة لصالح حكومة الوفاق ولكن ضد حفتر”.
ومن جهته، يرى كريم بيطار أن رهان حفتر “ينطوي على مخاطر، لكنه يحظى علنا أو ضمنا بترحيب الكثير من الدول العربية والغربية”.