القضاء الجزائري يحيل الناشط السياسي المعارض سمير بلعربي على السجن بتهمة قذف المؤسسة العسكرية.
الجزائر – صعّدت السلطة الجزائرية من وتيرة توقيف وسجن المعارضين والنشطاء السياسيين، في خطوة يبدو أنها تهدف إلى إضعاف الحراك وتمرير الانتخابات الرئاسية المُعلن عنها مؤخرا دون معارضة أو ضجيج سياسي.
وقرّر القضاء الجزائري إحالة الناشط السياسي المعارض سمير بلعربي، على السجن بتهمة قذف المؤسسة العسكرية، ليكون بذلك ثاني شخصية معارضة تُسجن في الآونة الأخيرة، إلى جانب العشرات من الناشطين الشباب، في العاصمة وعدد من مدن البلاد.
وكان سمير بلعربي، قد تمّ توقيفه من طرف عناصر أمنية بزيّ مدني، أول أمس، من أمام مسكنه بضاحية بوزريعة بالعاصمة، واقتيد إلى وجهة يرجّح أن تكون مصالح أمنية، قامت بالتحقيق معه، حول مسائل تتصل بنشاطه السياسي المعارض للسلطة، وتصريحاته حول المؤسسة العسكرية.
وتعرّض العشرات من الشبان إلى التوقيف ثم الإحالة على السجن المؤقت، بالعاصمة وقسنطينة ووهران.. وغيرها، وذلك عشية استعداد السلطة لتنظيم انتخابات رئاسية في الـ12 من ديسمبر القادم، والتي لا زالت محلّ رفض من طرف المعارضة السياسية والحراك الشعبي.
وعاشت العاصمة والعديد من المدن الجزائرية، الثلاثاء، إنزالا أمنيا غير مسبوق، من أجل إجهاض المسيرة الاحتجاجية الأسبوعية لطلبة الجامعات، وهي الأولى منذ إعلان رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، عن استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية.
وردّد الآلاف من الطلبة والمواطنين العاديين بالعاصمة، شعارات مناوئة للسلطة ولرموز النظام، وشدّدوا على رفض إجراء الانتخابات المذكورة، كما أعربوا عن تمسّكهم بمطالب التغيير السياسي الشامل في البلاد، ورحيل رموز النظام، وعلى رأسهم الرجل القوي في السلطة وقائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، الذي بات المطلوب الأول للمعارضين.
وصرّح المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، بأن “سجن سمير بلعربي غير شرعي وغير قانوني، لأنه لم يرتكب جُرما يعاقب عليه القانون، وأن طريقة اعتقاله تشبه طريقة الاعتقال في تسعينات القرن الماضي”، في تلميح منه إلى عودة تجاوزات المصالح الأمنية في حق المواطنين.
وأضاف “إن اعتقال بلعربي إلى جانب مخالفته للإجراءات القانونية، ومن خلال اطلاعي على الملف له خلفيات سياسية لمتابعة النشطاء هذه الأيام، وهذه الخلفيات يريدون إيجاد طابع قانوني لها”. ولفت إلى أن “هذا العمل محزن ومؤسف في هذه الفترة التي تمرّ بها الجزائر، وفي ظل نظام يريد أن يذهب إلى انتخابات رئاسية يقوم بالتقييد على الحريات واعتقال رموز الحراك، وأن هذه الممارسات تضرّ بالجزائر”.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن الغرض من تصعيد السلطة لوتيرة التضييق على الحريات السياسية والإعلامية، واستهداف الناشطين البارزين ومعارضين، هو تطهير الحراك الشعبي من رموزه، ونقل الخوف إلى المعسكر الآخر، لضمان عودة الاستقرار إلى الشارع قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية.
وأشار هؤلاء إلى أن الحملة الواسعة ضد هؤلاء ستبقى مفتوحة، لغاية تحقيق الغرض منها، ولو أنّ إمكانية نجاحها ليست مضمونة في ظل تمسّك الشارع بمطالبه السياسية، وأنّ العملية يمكن أن تؤدّي مفعولا عكسيّا على أجندتها، لأن الانتخابات في هذه الأجواء لا يمكن أن تفضي إلى حلول ناجعة للأزمة.
وأرجأت عدة أحزاب سياسية قرارها بشأن الانتخابات المذكورة إلى الأيام المقبلة للكشف عن موقفها النهائي، ويسود إجماع لدى المتحفظين كطلائع الحريات وحركة مجتمع السلم، على أن فشل تنظيم الاستحقاق الرئاسي القادم سيكون مضرّا بالبلاد، وأن تنظيمه بهذه الظروف والإجراءات سيكون أيضا مضرّا بشرعية الرئيس القادم.
ويرى ملاحظون أن لجوء السلطة لممارسات التضييق والخناق، وحتى التمسك غير المبرّر بحكومة نورالدين بدوي، ينطوي على مخطط لاستعمالها كأوراق رابحة في التوقيت المناسب، من أجل إقناع الشارع بالذهاب للانتخابات والقبول بأجندتها.
ويلفت هؤلاء، إلى أن مناورة السلطة تستهدف الضغط إلى أبعد الحدود، ولما تدرك بأن حرية سجناء الرأي ورحيل الحكومة، سيتحوّلان إلى إنجاز بالنسبة للحراك الشعبي والمعارضة السياسية، وبإمكانه التغطية على المطالب الرئيسية ودفعه إلى القبول بالأمر الواقع، ستعمل على رفع حالة التضييق وتحرير السجناء وتُقيل الحكومة.
وفي تصريح مثير لوزير الاتصال والناطق باسم الحكومة حسان رابحي، استغرب مطالب تنحية الحكومة ووصفها بـ”الجاحدة”، في تحدّ جديد للمطالبين برحيلها في مختلف الدوائر بما فيها لجنة الوساطة والحوار، وهو ما يوحي إلى الدعم القوي الذي تحظى به لدى السلطة الفعلية.
ونفى أن تكون حكومة بدوي، حكومة تصريف أعمال، وشدّد بالقول “هي حكومة عمل”، وهو ما يتنافى مع المسوغات القانونية والدستورية التي تبرر وجودها في هذا الوضع، حيث يقرّ البند 102 من دستور البلاد، على أن تنحي رئيس الجمهورية، يعقبه تعيين رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) كرئيس مؤقت، وتضطلع الحكومة بمهام تصريف الأعمال.
صابر بليدي
صحافي جزائري