اختر لغتك

الاستقرار السياسي يحرّك الجمود في العلاقات التونسية - الإماراتية

الاستقرار السياسي يحرّك الجمود في العلاقات التونسية - الإماراتية

السلطات التونسية تعمل على تعزيز علاقاتها مع الإمارات بعد حالة من الجمود عملت من خلالها أطراف سياسية على الانحياز إلى قوى إقليمية دون سواها.

تونس- مكّن الاستقرار السياسي في مؤسسات الدولة بعد القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في الخامس والعشرين من جويلية الماضي، من تجاوز الجمود القائم في العلاقات مع الإمارات بعد سنوات من الفتور والتوتر بسبب عدائية غير مفهومة مارستها القوى التي حكمت بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي وخاصة حركة النهضة الإسلامية.

وشهدت العلاقات بين البلدين فتورا دبلوماسيا في فترة تمكّن فيه الإسلاميون من السلطة خلال العشرية الماضية قبل أن تستعيد جانبا من الزخم مع صعود الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى الرئاسة في انتخابات 2014، لكنها سرعان ما شهدت انتكاسة مع عودة الإسلاميين إلى الحكومة في تحالف موسّع.

وفضلا عن أجندات حركة النهضة أثارت توجهات الرئيس الأسبق في عهد الترويكا، المنصف المرزوقي استياء إماراتيا، حيث استدعت دولة الإمارات في سبتمبر 2013 سفيرها في تونس احتجاجا على دعوة المرزوقي إلى الافراج عن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.

وذكرت وكالة أنباء الإمارات الرسمية حينها، أن وزارة الخارجية في أبوظبي استدعت السفير في تونس سالم القطام “للتشاور حول المستجدات الاقليمية والعلاقات بين البلدين”، لكن صحيفة الخليج الإماراتية قالت من جهتها إن تصريحات المرزوقي “كانت تدخلاً فجاً وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر، إضافة إلى أنها تشكيك في إرادة الشعب المصري، إلى جانب كونها دفاعا مكشوفا عن جماعة بحد ذاتها، لا حرصا على الديمقراطية”.

ونهاية الأسبوع الماضي، أعلنت رئاسة الحكومة في تونس عن ارتياحها لاستعادة نسق الاستثمار مع دولة الإمارات مع إعلان “مجموعة بوخاطر” الإماراتية عن إعادة إحياء مشروع عقاري متكامل بقيمة 5 مليارات دولار في إحدى ضواحي العاصمة تونس.

وأصدرت الحكومة التونسية بياناً عقب محادثة بين رئيسة الحكومة نجلاء بودن وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وذكر البيان أن المحادثة “كانت فرصة للإعراب عن ارتياح بلادنا لعودة الحركية الاقتصادية والاستثمارية بين تونس والإمارات، والتطلع إلى أن تكون المرحلة المقبلة مناسبة لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين”.

ونقل بيان الحكومة التونسية عن بودن حرص تونس على تعزيز التعاون الثنائي وتكثيف التشاور والتنسيق وتبادل زيارات كبار المسؤولين، كما ثمّنت دعم الإمارات ومساعدتها خلال جائحة كورونا من خلال تقديمها لكميات من اللقاحات والمستلزمات الطبية، فضلا عن استعدادها لتركيز مستشفى ميداني.

ويرى مراقبون أن السلطات التونسية تحاول تحريك المياه الراكدة في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الإمارات، بعد حالة من الجمود في العشرية الأخيرة، عملت من خلالها أطراف سياسية على الانحياز إلى قوى إقليمية دون سواها.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “إحياء المشروع العقاري خطوة إيجابية لتثبيت العلاقات التاريخية بين البلدين، حيث سبق أن لعبت تونس دورا تاريخيا مع الإمارات خصوصا في فترة الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة، واليوم تنسج الإمارات على منواله”.

وأضاف أن “هناك ثقة من دولة الإمارات في مستقبل السياسة التونسية، بعيدا عن سياسة المحاور والاصطفاف وتجاوز الفتور الواضح في العلاقات قبل قرارات الخامس والعشرين من جويلية الماضي”.

وتابع الرابحي “الإمارات تساند الشعب التونسي ولها ثقة تامة في النظام السياسي، لذلك ذهبت إلى المراهنة على الاستثمار”.

وكانت “مجموعة بوخاطر” قد أعلنت في وقت سابق عن إعادة إحياء مشروع “مدينة تونس الرياضية” المعطل منذ أكثر من عقد.

ومن المقرر أن يحضر رئيس المجموعة صالح بوخاطر إلى تونس يوم العاشر من مارس الجاري بمناسبة الإعلان رسمياً عن إعادة إطلاق المشروع.

ويعدّ مشروع “مدينة تونس الرياضية”، الذي عرض في عام 2008 والمقدر كلفته بنحو خمسة مليارات دولار، من بين مشاريع أخرى ضخمة لشركات إماراتية تعثرت إبان اندلاع ثورة جانفي 2011.

وكانت تونس قد وقّعت قبل ثورة 2011 اتفاقاً مع شركة “سماء دبي” لإنشاء مدينة “باب المتوسط” على ضفاف بحيرة الضاحية الجنوبية للعاصمة، وهو أضخم استثمار خارجي منفرد على الإطلاق بكلفة قدرت بنحو 14 مليار دولار.

وأهملت الحكومات المتعاقبة في تونس ملف الاستثمار، وانشغلت الطبقة السياسية بالصراعات والمناكفات، فضلا عن الاصطفاف في سياسة المحاور والتعامل مع السلطة بمنطق الغنيمة.

وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إن “من أهم مشاكل تونس الآن غياب الاستثمار، والتعاون التونسي – الإماراتي في المجال هو خبر جيّد سيعيد إحياء العديد من القطاعات”.

وأضاف في تصريح أنه “في السنوات العشر الأخيرة، هناك إهمال كامل للجانب الاقتصادي والاستثمار، ركّزت مكونات المشهد السياسي على الخلافات وتم تهديم القاعدة المالية للبلاد وشهدت تونس وضعا اقتصاديا متردّيا”.

وتابع سعيدان “فرص الاستثمار الإماراتي في تونس متعددة على غرار التعامل في مجال العمالة غير المستغل، والحكومات المتعاقبة تجاهلت الدبلوماسية الاقتصادية”.

وفي ظل الضغوط المسلطة من الجهات المانحة (صندوق النقد الدولي) على تونس، يبدو أن الرئيس سعيّد وجد في استثمار العلاقات التاريخية الجيّدة خصوصا مع دولتي الإمارات والمملكة العربية السعودية سبيلا للخروج من الأزمة.

وتخوض البلاد منذ فترة مفاوضات عسيرة مع صندوق النقد الدولي، الذي يطالبها باتخاذ إجراءات تقشّفية صارمة، تتعلّق أساسا بمراجعة منظومة الدعم وخصخصة بعض المؤسسات، والتقليص من كتلة الأجور في الوظيفة العمومية، وهي إجراءات وشروط يرفضها الاتحاد العام التونسي للشّغل وعديد الأطراف الأخرى، ويرون أنه ستكون لها تداعيات خطرة على الاستقرار الاجتماعي.

وبموازاة ذلك، تشترط بعض الجهات الغربية تمويل الاقتصاد التونسي، بشروط سياسية وإيجاد دور لحركة النهضة في المشهد السياسي بالبلاد.

وصرّح بدرالدين قمودي، النائب بالبرلمان المجمدة أعماله، “هذه نقطة مضيئة للاستثمار من جديد، خصوصا بعد العشرية الأخيرة وتموقع تونس في علاقة بالملفات الإقليمية الذي أثر على الوضع الاقتصادي”.

وقال في تصريح “أعتقد أن المناخ السياسي الحالي، شجّع هذه الأطراف (الإمارات) على الاستثمار من جديد، ولا خيار لتونس الآن إلا مراجعة علاقاتها الصادقة”.

وأردف “الرئيس سعيّد يتجه في هذا المسار مع المحافظة على العلاقات الدبلوماسية مع مختلف الأطراف الخارجية”.

وفي جانفي الماضي، نظم اتحاد غرف التجارة والصناعة في دولة الإمارات بالتعاون مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، “الملتقى الاقتصادي الإماراتي – التونسي”، وذلك في مقر غرفة تجارة وصناعة دبي.

وقال ثاني بن أحمد الزيودي وزير الدولة للتجارة الخارجية الإمارتي، إن “هذا الملتقى شكل إضافة جديدة في العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والتي شهدت تطوراً متسارعاً في كل المجالات لاسيما وأن الإمارات تعد من أهم المستثمرين في تونس”.

ومنحت الحكومة التونسية تحالفاً تقوده شركة أيميا باور الإماراتية عقداً لبناء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في مدينة القيروان وفق نظام البناء والتشغيل والتملك (BOO).

وستنتج المحطة 100ميغاواط من الكهرباء وبحجم استثمار يبلغ نحو 100 مليون دولار (ما يعادل نحو 368 مليون درهم)، كما تم توقيع اتفاق آخر لشراء إنتاج المحطة من الكهرباء خلال العشرين عاماً المقبلة.

 

خالد هدوي
صحافي تونسي

 

آخر الأخبار

براد بيت المزيف: امرأة تخسر 830 ألف يورو وتصبح ضحية تنمّر إلكتروني

براد بيت المزيف: امرأة تخسر 830 ألف يورو وتصبح ضحية تنمّر إلكتروني

إشعاعات تنموية: مشاريع جديدة ومبادرات ريادية نسائية في ولاية سيدي بوزيد

إشعاعات تنموية: مشاريع جديدة ومبادرات ريادية نسائية في ولاية سيدي بوزيد

النافورة: قصة نضال وجدل سياسي في قاعات السينما التونسية بداية من اليوم

النافورة: قصة نضال وجدل سياسي في قاعات السينما التونسية بداية من اليوم

الاحتراق المهني في تونس: ظاهرة تهدد استقرار الأفراد والمؤسسات

الاحتراق المهني في تونس: ظاهرة تهدد استقرار الأفراد والمؤسسات

14 جانفي: ذكرى الثورة التي فقدت زخمها ورمزيتها بعد 14 عامًا

14 جانفي: ذكرى الثورة التي فقدت زخمها ورمزيتها بعد 14 عامًا

Please publish modules in offcanvas position.