اختر لغتك

 
حتى يكون الخطاب النقدي.. همزة وصل بين حضارتنا.. والحضارة الحديثة في العالم

حتى يكون الخطاب النقدي.. همزة وصل بين حضارتنا.. والحضارة الحديثة في العالم

-ما على النقد الأدبي-كفكر و فن وعلم -الإ أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه-الثورة الثقافية الشاملة-كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الإنتقال..” (الكاتب)

-إننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات، إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديدة في ” ثورة ثقافية ” تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم. (الكاتب)

قد لا أجانب الصواب إذا قلت، أنّ الأدب يسبق النقد، فلولا وجود الأدب لما وُجد النقد الأدبي، فالأدب صنعة إبداعية والنقد هو الذوق لذلك الإبداع. الأديب مُطالب بالتعبير الإبداعي والناقد مُطالب بنقد ذلك التعبير بموضوعية وحيادية، وبما أن الأدب إبداع فيفترض أن يكون النقد إبداعاً هو الآخر.

يُعد النقد الأدبي عملية تحليل وتفسير وتقييم الأعمال الأدبية، وتتم عملية النقد من خلال أربع مراحل، وهي الملاحظة والتحليل والتفسير والتقييم. يتم في المرحلة الأولى قراءة النص الأدبي ومحاولة فهم معناه، ويقوم الناقد في المرحلة الثانية بتحليل النص الأدبي وتفكيكه إلى عناصره الأولية ومعرفة طريقة تنظيم الأجزاء مع بعضها البعض. في المرحلة الثالثة يشرح الناقد العلاقة بين الأجزاء والعناصر ومعرفة ما يود المؤلف قوله، وأخيراً يُصدر حُكمه المبنى على فهمه للنص ككل.

يركز النقد الأدبي على تقييم الجوانب الجيدة والرديئة في النص، أي أنه لا يقتصر على البحث عن عيوب النص فقط، وتكون هنالك أُسس ومعايير يرجع إليها الناقد أثناء تحليله للنص الأدبي، إلا أن عملية النقد أحياناً تُعبر عن وجهة نظر القارئ لما يحدث في النص، فقد يرتاح قارئ ما لنص ما وقد لا تعجبه بعض الأشياء في النص نفسه، فما يَعد جيد وجميل لقارئ معين قد يكون غير لائق وغير جميل لقارئ آخر. قد لا يلقى نص ما رواجًا وقبولاً بين مجتمع القُراء في زمن ما، وربما يقفز قفزة نوعية في زمن آخر.

على سبيل المثال، لم تلق رواية (موبي ديك) للكاتب الأمريكي هرمان ملفيل التي نشرت عام 1851 القبول بعد صدورها مما جعل كاتبها يشعر بخيبة الأمل، فقضى بقية حياته موظفاً بسيطاً، ويموت مجهولاً في نهاية القرن التاسع عشر.

في القرن العشرين بدأ النقاد وأساتذة الجامعات يهتمون بهذه الرواية وصاروا يكتبون عن جمالياتها مما جعلها تحتل مكانة مرموقة بين الروايات العالمية، وبالمثل لم تلق رواية غاتسبي العظيم (1925) للروائي الأمريكي إف سكوت فتزجيرالد القبول في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لتتحول في الخمسينات إلى تُحفة فنية. وفي السبيعينيات تُعد من روايات فحول الأدب الأمريكي وتحتل المرتبة الثانية بين أفضل مائة رواية أمريكية وفقاً لتصنيف المكتبة الحديثة (Modern Library) في أمريكا.

إن معرفة المعنى الحقيقي للنص والمُراد منه أمرٌ ليس سهلًا، وهذا ما يجعل دراسة الأدب مُعقدة ومُمتعة في الوقت نفسه، ولذلك يُعد النص الأدبي مصدر للتأمل والجدل غير المنتهيين، حيث يتنافس النقاد في تقديم قراءات وتفسيرات مقنعة للنص كما يراها كل منهم من منظوره.

قد تكون هذه التفسيرات مستقاه من النص نفسه أو من كل ما يحيط بالنص.

هنا يمكننا أن ننوه إلى أن النقد الأدبي مر بتحولات عديدة، فقد كان تركيزه على المؤلف وتحول إلى النص ثم تحول أخيرًا إلى القارئ، وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من المناهج النقدية، خاصةً في القرن العشرين ومنها النقد النسوي والماركسي ومدرسة النقد الجديد ونقد استجابة القارئ والنقد البنيوي والنقد التفكيكي.

النقد النسوي

يدرس النقد النسوي الطرق التي تكشف الاضطهاد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي للنساء وما إذا كان الأدب يُعزز هذا الاضطهاد أو يقف ضده. ينظر الناقد إلى النص بطريقة مختلفة عن تلك الطريقة الذكورية التي ظلت مهيمنة على النص لفترة طويلة من الزمن، ويهتم النقد الماركسي بإعادة بناء الماضي على شواهد تاريخية لمعرفة إلى أي مدى يكون النص الأدبي تشييدًا دقيقًا وصحيحًا للواقع الاجتماعي في فترة زمنية معينة. ويرى أصحاب المنهج البنيوي أن الأدب نظام دلالي ثانوي يستخدم النظام البنائي (اللغة) الأولي كأداة،ويري فردناند دي سوسير (مؤسس البنيوية) أن اللغة نظام مستقل بذاته له قواعده الداخلية وهو بهذا يعارض الرأي الذي يقول أن وجود الأشياء في هذا العالم هو الذي يحدد طبيعة اللغة.

لذلك، يُركز النقد البنيوي على التحليل الداخلي للنص، وبالمثل تهتم مدرسة النقد الجديد بالنص ولا شيء غير النص، مستبعدة دور المؤلف أو أي تضمينات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو تاريخية أو نفسية.

على العكس من ذلك يرى أصحاب النقد التفكيكي أن هناك تفسيرات لا حصر لها للنص وأن المعنى يكمن في القارئ ولا يحدده المؤلف. وبشكل مُشابه يهتم نقد استجابة القارئ بمعرفة استجابات القُراء للنصوص التي يقرؤونها، وكما أنهم يمتلكون شخصيات أيديولوجية وسياسية مختلفة فإن قراءاتهم للنصوص ستختلف حتمًا.

أدى ظهور هذه المدرسة إلى ضرورة وجود نظرية نقدية تهتم بتأسيس قواعد عامة تُوضح عمل الأدب والنقد معاً.

وهنا يجب أن نفرق بين النظرية النقدية (المرتبطة بمدرسة فرانكفورت) التي تُعنى بدراسة الثقافة والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية وبين النظرية النقدية الأدبية.
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير -التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم، وهذا يقتضي منه “النضال” بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق.

على أية حال، بقليل من التفاؤل وبمنآى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول: إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سوى بتحويل مجموع اجتهاداته إلى “حركة من تيارات” لا مجرد التماعات فردية، أو بإقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بإلتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب. و مع ذلك فليست النيات -على طيبتها- هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة، بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية، وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول، و مدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه..

وما يجب الإشارة إليه في هذا السياق، هو أن القراءة الجادة هي التي تسعى إلى إخراج النص إلى عالم الممكن. فالقراءة ليست مسحا بصريا للنص، ولا تفسيرا معجميا لألفاظه واستنباطا لمعانيه المباشرة، فهي فعل خلَّاق/ كالإبداع نفسه يقوم على الهدم والبناء بدرجة أولى، وليست أبدا تقمصا لتجربة ما، ومن ثم، فإن تلقي الأدب يتطلب مرونة نظرية وذخيرة علمية. وعموما فإن عملية القراءة ينبغي أن لا تتجه نحو الألفاظ بمعزل عن سياق تأليفها، إذ من شأن هذا الإغفال أن يحجب عن القارئ إبداعيتها وفنيتها، ولهذا فإن فعل القراءة يقتضي من الباحث جهدا غير يسير، وهذا الجهد يتدرج عبر معرفة اللغة وتركيبها وضروب القول فيها. وتحقيق هذه الغايات يستدعي من القارئ خبرة تساعده على إدراك جمالية الإبداع.

و تظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر، حتى أنها ” تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى.. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى إحتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور (1).

على سبيل الخاتمة:

إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة. كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي و ينآى عن التضخم النرجسي والأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات.

و أخيرا، فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع، منذ فجر النهضة إلى مغيبها.

وكل ما أقصده هنا،أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات، إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديدة في ”ثورة ثقافية” تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم. وما على النقد الأدبي -كفكر و فن وعلم- الإ أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه -الثورة الثقافية الشاملة - كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الإنتقال.

ختاما أقول: النقد الأدبي وليد معايشة وجدانية بالعمل الأدبي، وأنه نوع من الإبداع القائم على المعاناة، وأن عدة الناقد تكمن في البصيرة والأدوات المكتسبة، وأن الإنكتابة النقدية نوع من الاكتشاف.

محمد المحسن

 

 1-الدكتور المصري الراحل-غالي شكري- كتابه : سوسيولوجيا النقد العربي الحديث-ص 223

آخر الأخبار

وفاة بائع الذهب الشهير خميس الشريكي تثير الحزن في العاصمة

وفاة بائع الذهب الشهير خميس الشريكي تثير الحزن في العاصمة

خمسة أسباب سرعت برحيل المدرب الإيطالي أليغري عن أسوار يوفنتوس

خمسة أسباب سرعت برحيل المدرب الإيطالي أليغري عن أسوار يوفنتوس

تحدي القراءة العربي والمشروع المنشود لنجاح الثورات العربية ..

تحدي القراءة العربي والمشروع المنشود لنجاح الثورات العربية ..

قرطاج: أنشطة فكرية للتباحث في السياسة الخارجية التونسية ومسار العالم

قرطاج: أنشطة فكرية للتباحث في السياسة الخارجية التونسية ومسار العالم

إصدار جديد: "الزمن التاريخي - إمكان التاريخ علماً؟" للمفكر مصطفى الكيلاني

إصدار جديد: "الزمن التاريخي - إمكان التاريخ علماً؟" للمفكر مصطفى الكيلاني

Please publish modules in offcanvas position.