اختر لغتك

طبرقة تبكي رجلها النبيل، الجيلاني الدبوسي: مات واقفًا، كما عاش

طبرقة تبكي رجلها النبيل، الجيلاني الدبوسي: مات واقفًا، كما عاش

بقلم: [عبد الحفيظ حساينية]

في مثل هذا اليوم، منذ 11 سنة، رحل الدكتور الجيلاني الدبوسي في صمت يشبه ذاك الذي يُرافق الكبار حين يغادرون. رحل بعد ساعات فقط من خروجه من السجن… لم يطلب شفقة، ولم يترك وراءه إلا سيرةً بيضاء، وأسئلةً مازالت تتردد على ألسنة كل من عرفوه: لماذا مات قبل أن يُنصف؟ ومن يخلفه في حمل همّ طبرقة كما كان يفعل؟

لم يكن مجرد طبيب، ولا مجرد منتخب محلي، ولا حتى مجرد مثقف موسوعي… كان ابنًا بارًا لمدينة طبرقة، حمل همومها في قلبه، وجال بها في أدقّ تفاصيله، منذ أن عاد إليها طبيبًا شابًا، وحتى آخر أنفاسه، رجلًا شامخًا رغم تعب الجسد ومرارة الإقصاء.

الطبيب… الإنسان

كان الجيلاني الدبوسي أخصائيًا في أمراض القلب، عُرف بتفانيه في العمل داخل المستشفى الجهوي بطبرقة، حيث كان يقابل المرضى بابتسامة دافئة ولهجة حازمة في آن. لم يكن يومًا موظفًا ينتظر آخر الشهر، بل كان يقول لزملائه:

"الطبيب ما يعالجش بالدواء فقط، يعالج بالكرامة أيضًا."

حمل قضايا الصحة العمومية فوق كتفيه، وكان يُسجّل النقص في الأدوية قبل أن تسجله تقارير التفقد. احتج، كتب، واجه، لكنه لم يساوم. لهذا أحبّه زملاؤه، واعتبره البعض ضمير القطاع الصحي في الجهة.

السياسي… المُعارك

انتُخب الجيلاني عضوًا في المجلس البلدي بطبرقة، وكان يُدافع بشراسة عن المشاريع الثقافية والصحية والبنية التحتية. لكنّه، كما يروي رفيق نضاله،

"كان يرفض سياسة المحاباة… ولهذا دفع الثمن."

دفعه باهظًا. وجد نفسه متّهمًا في قضية تتعلّق بالإضرار بالإدارة، وهو المعروف بصرامته ونظافة يده. قضى شهورًا خلف القضبان، قبل أن يُخلى سبيله، لكنه لم يعش طويلًا بعدها.

"خرج من السجن ليموت حرًّا… لكنه مات مكسور القلب"، يقول أحد زملائه في المهنة.

المثقف… صاحب الطرح المختلف

بعيدًا عن الطب والسياسة، كان الجيلاني الدبوسي موسوعي الثقافة، سريع البديهة، ساخرًا من الرداءة، مولعًا بالأدب والمسرح، ويقال إنه كان يحفظ أجزاء من أعمال الطيب صالح وغسان كنفاني عن ظهر قلب.

"ما ننساهش وقت قالنا في اجتماع رسمي: المرأة في طبرقة مش رقم، راهي عمود من أعمدة التغيير…"

تشهد بذلك إحدى الناشطات في المجتمع المدني المحلي، والتي كانت من أوائل من آمنوا بقدرته على كسر الصور النمطية عن "السياسي التقليدي".

الجيلاني… الذي لا يُعوّض

لم يكن الدكتور الدبوسي مقدّسًا، لكنه كان واضحًا، نزيهًا، عنيدًا. لم يُرضِ الجميع، لكنه لم يخن أحدًا. لم يجمع الثروات، لكنه راكم رصيدًا لا يُشترى: محبة الناس وثقتهم.

"الجيلاني ما تغيّرش. من الابتدائي للجامعة، ومن الجامعة للبلدية، ديما نفس الشخص: يحب الضحكة، ويكره الظلم"، يقول صديق طفولته.

اليوم، وبعد 11 سنة على رحيله، لا يزال اسمه يُذكر في طبرقة كلما مرّ أحدهم من المستشفى، أو دار الحديث عن النزاهة، أو حكى الناس عن رجال ماتوا دون أن يموتوا.

رحمه الله، الدكتور الجيلاني الدبوسي…

رجل رحل واقفًا، كما عاش.

آخر الأخبار

جولة الحسم تقترب… صافرات محلية ومغربية تدير الجولة 29 من بطولة الرابطة المحترفة

جولة الحسم تقترب… صافرات محلية ومغربية تدير الجولة 29 من بطولة الرابطة المحترفة

طبرقة تبكي رجلها النبيل، الجيلاني الدبوسي: مات واقفًا، كما عاش

طبرقة تبكي رجلها النبيل، الجيلاني الدبوسي: مات واقفًا، كما عاش

نهائي الأحلام في ميونخ: إنتر يواجه باريس سان جيرمان لحسم لقب دوري الأبطال

نهائي الأحلام في ميونخ: إنتر يواجه باريس سان جيرمان لحسم لقب دوري الأبطال

إحالة وزير سابق وصاحب قناة على أنظار القضاء في ملف "رحلات العمرة"

إحالة وزير سابق وصاحب قناة على أنظار القضاء في ملف "رحلات العمرة"

الكاف تحتفي بالمرأة والتراث في شهر التراث

الكاف تحتفي بالمرأة والتراث في شهر التراث

Please publish modules in offcanvas position.