بقلم: عزيز بن جميع
عودة تزلزل الشاشة، هكذا يمكن وصف إطلالة الممثلة التونسية يسرى المسعودي في دور "شيحة" بمسلسل "وادي الباي" الذي عرض على القناة الوطنية الأولى. لم يكن ظهور يسرى المسعودي مجرد إضافة عابرة، بل كان بمثابة زلزال فني أيقظ شغف الجمهور وأكد على مكانتها كنجمة متألقة بصمت إبداعها في المشهد الدرامي التونسي. هذه العودة، التي تزامنت مع نجاحات لافتة حققتها في الدراما المصرية، حملت معها تأكيدًا على جذور ثقافية عميقة وموهبة تتجاوز حدود الشاشة.
مقالات ذات صلة:
يسرى المسعودي: تألق وإشعاع على جميع الواجهات
يسرى المسعودي: السكوت في قضية فلسطين جريمة
اريج المسعودي الرسامة المرهفة الاحساس تمتع الناس
ما أثار الإعجاب في تجسيد يسرى المسعودي لشخصية "شيحة" هو تمكنها المذهل من اللهجة القفصية، تلك اللهجة التي تختزل جزءًا من الهوية التونسية وتحتاج إلى حس لغوي رفيع وأداء صوتي متقن. هذا الإتقان لم يكن مجرد مهارة شكلية، بل أضفى على الشخصية عمقًا ومصداقية، وجعلها قريبة من قلب المشاهد التونسي الذي استشعر روح الانتماء في كل كلمة نطقتها.
إن النجاح الذي حققته يسرى المسعودي في "وادي الباي" لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لمسيرة فنية صقلتها التجارب، خاصة تلك التي خاضتها في الدراما المصرية، حيث استطاعت أن تثبت حضورًا قويًا وتنافسية عالية. إلا أن عودتها إلى الشاشة التونسية تحمل نكهة خاصة، فهي بمثابة تأكيد على أن هذا التألق لم ينفصل يومًا عن جذوره الثقافية، وأن النجاح الخارجي لم يطغ على العمق الفكري الذي يميز هذه الفنانة.
فيسرى المسعودي ليست مجرد وجه جميل وأناقة تسر الناظرين، بل هي فنانة مثقفة تمتلك رصيدًا فكريًا يغذي أدائها. شغفها بعلم النفس وقراءتها المتعمقة لفكر سيغموند فرويد، على سبيل المثال، يمنحها أدوات تحليلية فريدة تمكنها من فهم دوافع الشخصيات التي تجسدها، وبالتالي تقديم أداء يتسم بالعمق والإقناع. هذا البعد الثقافي يضيف طبقة أخرى من التميز إلى موهبتها التمثيلية.
ولا يمكن إغفال العشق القديم ليسرى المسعودي للمسرح، هذا الفضاء الحي الذي احتضن بداياتها في المعهد العالي للفن المسرحي. إن مبادرتها القادمة بالعودة إلى خشبة المسرح، من خلال عمل يجمعها بالمبدعين محمد الداهش وسماح السنكري، لهي خطوة مباركة تؤكد على هذا الشغف. هذا الاختيار ينم عن وعي بأهمية المسرح كمختبر للإبداع، ويوفر لها منصة أخرى لاستعراض قدراتها التمثيلية المتنوعة. نتطلع بشغف إلى هذا المشروع المسرحي الذي نأمل أن يكون إضافة نوعية للمشهد الثقافي التونسي.
ختامًا، يمكن القول إن يسرى المسعودي، من خلال دورها اللافت في "وادي الباي"، لم تقدم مجرد أداء تمثيلي متقن، بل قدمت نموذجًا للفنان التونسي القادر على تحقيق النجاح على مختلف الأصعدة، مع التمسك بجذوره الثقافية وتقديم أعمال فنية تجمع بين الجمال والإبداع والعمق الفكري. إن عودتها "تزلزل الشاشة" وتؤكد أن المواهب التونسية قادرة على ترك بصمة مميزة في عالم الفن.